للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لجبنهم يحسبون أنَّ كلَّ مَن صاح فإنما يصيح عليهم، وهم المقصودون بها، فأخذ جرير هذا المعنى فقال:

ما زلْتَ تحسَبُ كلَّ شيءٍ بعدَهُمُ... خيلًا تَكُرُّ عليهمُ ورجالًا (١)

وقال عبيد بن أيُّوب:

لقدْ خِفْتُ حتَّى لو تمرُّ حمامةٌ... لَقُلْتُ عَدوٌّ أو طليعةُ مَعْشَرِ (٢)

وقال ابن جريج: أي: كلَّما نزل القرآن خشوا (٣) أن يكون فيهم وعليهم؛ بما قد علموا من الغشِّ والعداوة للنَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (٤).

وقيل: كلَّما تفلَّتَتْ دابَّة في العسكر، أو سمعوا نداءً، أو أمرَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بقتالٍ، ظنُّوا أنَّهم مرادون بذلك، وهو كقول القائل:

يروِّعِهُ السِّرارُ بكلِّ أمرٍ... مخافةَ أنْ يكونَ به السِّرارُ (٥)

وقوله تعالى: {هُمُ الْعَدُوُّ}: أي: الأعداء لك ولأهل دينك {فَاحْذَرْهُمْ}؛ أي: لأنَّهم ينقلون الأسرار إلى الكفَّار، ويجبِّنون مَن قدروا عليه من أهل الإيمان.


(١) انظر: "ديوان جرير" (١/ ٥٣).
(٢) انظر: "الحيوان" للجاحظ (٥/ ١٣٢)، و"العزلة" للخطابي (ص: ٥٦)، و"التذكرة الحمدونية" (٩/ ٢٠٠)، و"الحماسة البصرية" (١/ ١١١).
(٣) في (ر): "حسبوا".
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (١/ ١٦٥) عن قتادة. وأشار إليه الطبري في "تفسيره" (١/ ٣٧٧) عن قتادة وابن جريج عند تفسير قوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: ١٩].
(٥) البيت لبشار بن برد كما في "ديوانه" (١/ ٢٤٩).