للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: {يَهْدِ قَلْبَهُ} لليقين، فيعلم أنَّ ما أصابَه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه (١).

وقال مجاهدٌ: {يَهْدِ قَلْبَهُ} إذا ابتليَ صبرَ، وإذا أُنعِم عليه شكرَ، وإذا ظُلِمَ غفر (٢).

وقيل: الآية في الممتنعين عن الجهاد خوفًا من القتل والجرح والنَّكبة، فأخبرَ أنَّه لا تصيب عبدًا مصيبةٌ من ذلك إلَّا بقضاء اللَّه تعالى، {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} للعلم بأنَّ (٣) في ثوابِ اللَّه عوضًا من ذلك كلِّه.

وقيل: هي في قوم أرادوا الهجرة، وخافوا على أولادهم وأهاليهم ببعد المسافة وإصابة الآفَة، فأَخبر أنَّ ذلك لا يكون إلَّا بإذن اللَّه، وتتَّصل هذه بالآية التي بعدها: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} على ما نبيِّن.

وقال أبو عثمان النَّيسابوريُّ (٤): {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ}؛ أي: يصحِّحْ إيمانَه {يَهْدِ قَلْبَهُ} لاتِّباع السُّنَّة (٥).

وقيل: {يَهْدِ قَلْبَهُ} حتى يهتديَ إليه في السَّراء والضَّرَّاء بما يَلزمُه فيهما (٦).


(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٣/ ١٢).
(٢) ذكره الماوردي في "النكت والعيون" (٦/ ٢٣)، وابن الجوزي في "تفسيره" (٨/ ٢٨٣) عن الكلبي.
(٣) في (ف): "بالعلم بأن" وفي (ر): "فيعلم أن".
(٤) أبو عثمان سعيد بن إسماعيل بن سعيد بن منصور الحيري النيسابوري، أصله من الرِّي، صحب قديمًا يحيى بن معاذ الرَّازي وشاه بن شجاع الكرماني، ثم رحل إلى نيسابور إلى أبي حفص وصحبه وأخذ عنه طريقته، وهو في وقته من أوحد المشايخ في سيرته، ومنه انتشر طريقة التَّصوُّف بنيسابور. توفي سنة (٢٩٨ هـ). انظر: "طبقات الصوفية" للسلمي (ص: ١٤٠).
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٣٢٩)، وابن الجوزي في "زاد المسير" (٨/ ٢٨٣).
(٦) أي: في السراء للشكر، وفي الضراء للصبر، وهما لازمان للمؤمن لينال رضا ربه. وهذا معنى جزئي، والآية عامة تحتمله وغيره من كل ما ذكر ومن غيره من أنواع الهداية.