للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: هو موت انقضاء الآجال، وحياة أهل الدُّنيا، فإنَّه قال: {لِيَبْلُوَكُمْ}، والابتلاء يتعلَّق بهما لا بالموت قبل الحياة، وإنَّما قدَّم ذكر الموت ترهيبًا وتقريعًا (١).

وقال الأخفش: {خَلَقَ الْمَوْتَ}؛ أي: الدُّنيا التي هي لموت أهلها، {وَالْحَيَاةَ}؛ أي: الآخرة التي هي لحياة أهلها (٢).

وقال ابن عبَّاس: الموتُ كبش أملح، لا يمرُّ بشيءٍ ولا يجد ريحه إلَّا مات، والحياة فرس جبريل لا تمرُّ بشيء ولا يجدُ ريحَها إلَّا حَيي، ويُذبَح الموتُ بين الجنَّة والنَّار يوم القيامة، ويُقال: يا أهل الجنَّة، ويا أهل النَّار، خلود بلا موت، وفرس الحياة تركبُها الأنبياء (٣).

{لِيَبْلُوَكُمْ}؛ أي: ليتعبَّدكم فيمتحنكم بأمره ونهيه، فيظهرَ منكم ما علم أنَّه يكون منكم، فيجازيَكم على عملكم، لا على علمِه بكم.

وقيل: تقديره: خلق الموت ليبعثكم فيجزيكم، والحياة ليبلوكم بما به يتعبَّدُكم.

{أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}: ولم يقل: أيُّكم أكثر عملًا.


(١) في (أ) و (ف): "وتقريبًا".
(٢) لم أقف عليه عن الأخفش، وقد ورد نحوه عن قتادة، رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (٣٢٥٩)، والطبري في "تفسيره" (٢٣/ ١١٨)، ولفظه: "أذل اللَّه ابن آدم بالموت، وجعل الدنيا دار فناء، وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء".
(٣) ذكره دون قصة ذبح الموت الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٣٥٥)، والواحدي في "البسيط" (٢٢/ ٣٧). وصرح الواحدي بأنه من طريق الكلبي عن ابن عباس، والكلبي متهم بالكذب فالخبر لا يصح، وبعضهم ذكره عن الكلبي كما في "تفسير أبي الليث السمرقندي" (٣/ ٤٥١). وذكره الآلوسي في "روح المعاني" (٢٧/ ٢٨٣) وقال: هو أشبه شيء بكلام الصوفية لا يعقل ظاهره.
وأما حديث ذبح الموت فمتفق عليه، رواه البخاري (٤٧٣٠)، ومسلم (٢٨٤٩) من حديث أبي سعيد رضي اللَّه عنه.