للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ورُوي أنَّ عمر رضي اللَّه عنه خرج يستسقي، فما زال على المنبر يستغفر حتَّى نزل، فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما سمعناك استسقيْتَ، فقال: لقد طلبْتُ الغيثَ بمجاديح السَّماء، ثم قرأ هذه الآيات (١).

وعن الرَّبيع بن صَبِيْح: أنَّ رجلًا أتى الحسنَ فشكا إليه الجُدوبة، فقال له الحسن: استغفر اللَّه، وأتاه آخر فشكى إليه الفقر، فقال: استغفر اللَّه، وأتاه آخر، فقال: ادعُ اللَّهَ أن يرزقني ابنًا، فقال له: استغفر اللَّه، وآتاه آخر فشكى إليه جفاف بساتينه، فقال له: استغفر اللَّه.

قال الرَّبيع: فقلْنا له: أتاك رجالٌ يسألون أبوابًا من الجدوبة والفقر وغير ذلك، فأمرتهم كلَّهم بالاستغفار! فقال: ما قلْتُ ذلك من ذات نفسي، إنَّما اعتبرْتُ فيه قولَ اللَّه تعالى خبرًا عن نوح عليه السلام أنَّه قال لقومه: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} (٢).

* * *


(١) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (٤٩٠٢)، وأبو عبيد في "غريب الحديث" (٣/ ٢٥٩)، وسعيد بن منصور في "سننه - التفسير" (١٠٩٥)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (٨٣٤٣)، والطبراني في "الدعاء" (٩٦٤). قال النووي في "خلاصة الأحكام" (٢/ ٨٨٠): رواه سعيد بن منصور، والبيهقي بإسناد صحيح، لكنه مرسل، لم يدرك الشعبي عمر.
وله طريق آخر رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٨٣٤٢).
والمَجَاديحُ واحدها مِجْدح ومُجْدح، وهو نَجْم من النُّجوم كانت العرب تزعم أنه يُمْطَر به كقولهم في الأَنْواء، والذي يُراد من الحديث أنه جعل الاستغفار استسْقَاء، يتَأَوَّلُ قَوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ} الآية، وأراد عُمَرُ إبطال الأنواء والتكذيبَ بها؛ لأنه جعل الاستغفار هو الذي يُسْتَسْقَى به لا المَجَاديحَ والأنواء التي كانوا يَسْتَسقُون بها. قاله أبو عبيد.
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (١٠/ ٤٤)، والزمخشري في "الكشاف" (٤/ ٦١٧).