للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكفر والكفران، والختم بذكر الغفران، وهذه السُّورة وتلك السُّورة على ذلك كلِّه آتيتان.

* * *

(١ - ٢) - {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ}.

قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ}: أي: يا أيُّها المتلفِّف بالدِّثار، قُم إلى الكفَّار، وأنذرهم بالنَّار.

أَمر في السُّورة الأولى رسولَه محمَّدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- بالقيام في اللَّيل بالعبادة، وأمر في هذه السُّورة بالقيام في النَّهار بالدَّعوة، كأنَّه قال له: أمضِ ليلك في خدمةِ الحق (١)، ونهارَكَ في الشَّفقة على الخَلْق، فإنَّ الدُّنيا اليومَ مملوءةٌ من الكفَّار، وداعيهم واحدٌ وهو أنت، وعرَصاتُ القيامة غدًا تكون مملوءةً من العصاة، وشافعهم واحدٌ وهو أنت، ومَن كان في قلبه هذان المهمَّان لم يتفرَّغ للاستراحة ليلًا ولا نهارًا، فقم بالنَّهار منذرًا كي يَقبلَ المدبِرون بدعوتك، وقم باللَّيل متنفِّلًا كي ينجوَ الهالكون غدًا بشفاعتك؛ قال اللَّه تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: ٧٩].

وقيل: قوله: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}؛ أي: يا أيُّها المتزيِّن بلباس (٢) النُّبوَّة.

وقال عكرمة: دُثِّرْتَ هذا الأمرَ فقُمْ به (٣).

وقيل: كان هذا في ابتداء الوحي، خاف أن يكون قد اعتراه الشَّيطان بشيء


(١) في (ر): "الخلق".
(٢) في (أ): "يا أيها المتدثر بلسان".
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٣/ ٤٠٤).