للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: ما قدَّم وأخَّر من أيِّ عملٍ في أوَّل ما لزمه التَّكليف، وما عمله في آخر عمره؛ أي: بكل أعماله.

وقال زيد بن أسلم: {بِمَا قَدَّمَ} من أمواله لنفسه، {وَأَخَّرَ} خلَّف من أمواله لورثته، ونظيره قوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: ٥] (١).

وقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ}؛ أي: شخَصَ فلا يكاد يَطرُفُ (٢).

وذلك إذا أُتي بجهنَّم تُقادُ بسبعين ألفَ زِمام، كلُّ زِمام بيد سبعين ألف مَلَك (٣)، لها زفيرٌ وشهيقٌ، فلا يبقى مَلَك مقرَّبٌ، ولا نبيٌّ مرسَل إلَّا قال عند ذلك: نفسي، نفسي، لا تهمُّه إلَّا نفسُه، وتبرق أبصارُ الكفَّار بما يعاينون منها، فلا تكاد تطرُفُ.

وقال مجاهد رحمه اللَّه: {لَا وَزَرَ}؛ أي: لا جبل يمنعهم، ولا شجر يواريهم (٤).

* * *

(١٤ - ١٥) - {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}.

وقوله تعالى: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}: والهاء في {بَصِيرَةٌ} للمبالغة، كما في علَّامة (٥)، {يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} من عمله، بل لا يحتاج إلى أن ينبِّئه غيره؛ لأنَّه


(١) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (١٠/ ٨٥)، والواحدي في "البسيط" (٢٢/ ٤٩١).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٣/ ٤٨٠) عن قتادة. وروى عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: قوله: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ}؛ يعني ببرق البصر: الموت، وبروق البصر: هي الساعة.
(٣) رواه مسلم (٢٨٤٢)، من حديث ابن مسعود رضي اللَّه عنه مرفوعًا، ولفظه: "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها".
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٣/ ٤٨٦) بلفظ: (لا ملجأ ولا جبل).
(٥) "والهاء في بصيرة للمبالغة كما في علامة" ليس في (أ) و (ف).