للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قومُك لك؟ قال: "نعم"، قال: ما ودَّعَكَ ربُّكَ وما قلاكَ، وإنَّما أنا عبدٌ، أحتَبِس ما حبسني، وأنزل إذا أنزلني، وأطيعه إذا أمرني (١).

وقال أنسٌ رضي اللَّه عنه: اشتكى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شَكاةً، فلم يقم ليلتين أو ثلاثًا، وكان يحبُّ التَّهجُّد، فأتته إحدى عمَّاته فقالت: إنِّي لأرجو أن يكون شيطانُكَ قد تركَكَ، لم أرَه قَرِبَكَ منذ أيَّام، فأنزل اللَّه تعالى هذه السُّورة (٢).

وقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: إنَّ اليهود سألوا رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذي القرنين وأصحاب الكهف والرُّوح، فقال: "أجيبُكُم غدًا"، ولم يستثنِ، فاحتبس جبريل عنه خمسة عشر يومًا (٣).


(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٤/ ٤٨٦) مختصرًا، ولفظه: (مكث جبريل عن محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال المشركون: قد ودعه ربه وقلاه، فأنزل اللَّه هذه الآية).
(٢) رواه البخاري (٤٩٥٠)، ومسلم (١٧٩٧)، من حديث جندب بن سفيان البجلي رضي اللَّه عنه.
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (١٥/ ١٤٢ - ١٤٣)، لكن في سبب نزول سورة الكهف، وقولهِ تعالى في سورة الإسراء: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥]، وقد تقدم هذا عند تفسير الإسراء والكهف.
قال ابن حجر في "فتح الباري" (٨/ ٧١٠): الحق أن الفترة المذكورة في سبب نزول والضحى غير الفترة المذكورة في ابتداء الوحي، فإن تلك دامت أيامًا وهذه لم تكن إلا ليلتين أو ثلاثًا فاختلطتا على بعض الرواة. . . ووقع في "سيرة ابن إسحاق" في سبب نزول {والضحى} شيء آخر، فإنه ذكر أن المشركين لما سألوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذي القرنين والروح وغير ذلك ووعدهم بالجواب ولم يستثن فأبطأ عليه جبريل اثنتي عشرة ليلة أو أكثر فضاق صدره وتكلم المشركون فنزل جبريل بسورة {والضحى} وبجواب ما سألوا وبقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} انتهى، وذكر سورة الضحى هنا بعيد، لكن يجوز أن يكون الزمان في القصتين متقاربًا فضم بعض الرواة إحدى القصتين إلى الأخرى وكل منهما لم يكن في ابتداء البعث وإنما كان بعد ذلك بمدة، واللَّه أعلم". =