للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: هي متصلةٌ بالسورة الأولى؛ أي: فعلنا بأصحاب الفيل ذلك لنؤلِّف قريشًا رحلتيها.

وقيل: هي متصلة بما بعدها: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} لإيلافنا ذلك، والإيلاف: تعدية الإلف؛ أَلِفْتُ الشيءَ؛ أي: لزمتُه، وآلَفَني غيرى ذلك.

وقال ابن الأنباري: أَلِفَ الشيء؛ أي: هيَّأه وجهزه.

يقول: فعلت بهم ذلك لأُوْلِف قريشًا رحلتيهم اللتين هما قِوام عيشهم؛ إحداهما في الشتاء والأخرى في الصيف؛ لأن مكة بلدٌ جَدْبٌ لا زرعَ فيه ولا ضرع؛ كما قال: {بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} [إبراهيم: ٣٧]، فكان أشراف مكة يرتحلون للتجارة هاتين الرحلتين، فيمتارون لأنفسهم ولمن وراءهم من عشيرتهم (١) ببضائعهم ما يكفيهم عامَهم، وكان تمامُ هاتين الرحلتين بأهل (٢) الآفاق من رؤساء الممالك وإيجابهم وتوقيرهم لقريش، وقولهم لهم: هؤلاء جيرانُ بيت اللَّه تعالى وسكانُ حرمه وولاةُ الكعبة، فلو تمَّ لأهل الحبشة ما عزموا عليه من هدم الكعبة لزال عنهم هذا العزُّ، ولبطلت هذه الحرمات، ولصاروا هم وغيرهم سواءً يُتخطَّفون من كل جانب، ويُتعرَّض لهم بالمكاره في النفوس والأموال، فصان اللَّه عليهم جاههم، وزاد بإهلاك أصحاب الفيل عزَّهم، وأدام لهم رحلتيهم.

وقال أبو عبيدة: أَلِفَ وآلَفَ واحدٌ كقولهم: نَكِرَ وأَنْكَرَ (٣)، ومعناه: لتألَفَ قريشٌ (٤) ذلك.


(١) في (ف): "عشائرهم".
(٢) في (ف): "لأهل".
(٣) انظر: "مجاز القرآن" (٢/ ٣١٢). وزاد: ومجاز {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} على: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ. . لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ}.
(٤) في (أ): "ليألف من قريش".