للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذلك وأطعمتُهم بما فتحتُ عليهم من الفتوح فنُقل إليهم كلُّ شيء، وآمنتُهم من خوف الطرق (١) فكفيتُهم مؤنة الأسفار، وجعلتُ كلَّ شيء يجيء إليهم على إكثار.

وعلى هذا يكون معنى قوله: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ}؛ أي: فعلتُ بأصحاب الفيل ذلك لإزالة إيلافِ قريش رحلتيها، وهو كقولك: فعلتُ كذا بك لتكلُّفك (٢) الأسفارَ، أي: لأزيل ذلك عنك وأغنيَك عنه.

وقال الكلبي: كانوا تعوَّدوا رحلتين إحداهما في الشتاء إلى اليمن، والأخرى في الصيف إلى فلسطين، فمكثوا بذلك زمانًا حتى اشتدَّ ذلك عليهم، فأَخصبت تَبَالةُ وجُرَشُ وأهلُ ساحل البحر، وحمل أهل البرِّ على الإبل، وأهلُ البحر بالسفن لجُدَّة، وامتار أهل مكة ما شاؤوا، وكفاهم اللَّه تعالى الرحلتين (٣).

وقال نفطويه: الإيلاف: العهود التي كانت تأخذها رجال قريش من ملوك العرب إذا خرجوا في التجارات، فيسيرون في ممالكهم فيأمَنون بتلك العهود، وكان لأشراف قريش تجارات، فكان هاشم وعبد شمس والمطلب ونوفل بنو عبد مناف أصحابُ الرحلتين، وكان يتَّجر هاشم بن عبد مناف بالشام، وكان يأخذ الإيلاف من قيصر ومَن يليه من رؤساء قبائل العرب كملوك غسان الذين يتولون الشام، فيسير في أرض الشام ولا يَعْرِض (٤) له أحد، وكان هو الرئيسَ على مَن سلك تلك الطرقَ،


(١) في (أ): "الطارق".
(٢) في (أ): "فعلت بكذا كذا لتكلفك" وفي (ر): "فعلت كذا بك لأكلفك".
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (١٠/ ٣٠٢) عن أبي صالح، ولعله من رواية الكلبي عنه، وقد تقدم عند تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} [التوبة: ٢٨] عن مقاتل نحوه، وفيه: (. . . فأسلم أهلُ صنعاء وجُدَّةَ وجُرَشَ، وحملوا الطعام إلى مكة على ظهور الدَّوابِّ. . .).
(٤) في (أ): "فيسير في الأرض لا يعرضن".