حدوث؛ لأن هاتين الصفتين إنما تتعاقبان على الموجود؛ فكأنّكم تقولون: إنّ الله تعالى جعل من هذه الهيولى المعدومة جواهر وأجساما موجودة. وهذه موافقة فى المعنى لأهل الحق؛ القائلين بأن الجواهر فى العدم على صفة تقتضى وجوب التحيّز لها متى وجدت، وأنّ الله تعالى إذا أوجد هذه الجواهر وجب لها فى الوجود التحيّز؛ لما هى عليه فى نفوسها من الصفة فى العدم الموجبة لذلك بشرط الوجود، وأنّ الفاعل إنما يؤثر فى صفة الوجود؛ ولا تأثير له فى الصفة التى كانت عليها الجواهر فى العدم.
على أن هذه الطريقة إذا صاروا إليها تقتضى أنّ لأجناس الأعراض كلّها هيولى؛ لأنّ الدليل قد دلّ على أن للسّواد، ولكل جنس من الأعراض صفة ثابتة فى حال العدم تقتضى كونه على الصفة التى يدرك عليها إن كان مما يدرك فى حال الوجود، وأنّ الفاعل إنما يؤثّر فى إحداثه وإيجاده دون الصفة التى كان عليها فى حال العدم.
والقول فى الأعراض كالقول فى الجواهر فى هذه القضية، ويجب أن يكون للجميع هيولى؛ لأنّ الطريقة واحدة؛ وكلام هؤلاء أبدا غير محصّل ولا مفهوم، وهم يدّعون التحقيق والتحديد، وما أبعدهم من ذلك!