للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مجلس آخر ٦٩

تأويل آية [وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ]

إن سأل سائل عن تأويل قوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ؛ [الشورى: ٥١].

فقال: أوليس ظاهر هذا الكلام يقتضي جواز الحجاب عليه وأنتم تمنعون من ذلك!

الجواب، / قلنا: ليس فى الآية أكثر من ذكر الحجاب، وليس فيها أنه حجاب له تعالى أو لمحلّ كلامه أو لمن يكلّمه. وإذا لم يكن فى الظاهر شيء من ذلك جاز صرف الحجاب إلى غيره عز وجل؛ مما يجوز أن يكون محجوبا. وقد يجوز أن يريد تعالى بقوله:

أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أنه يفعل كلاما فى جسم محتجب على المكلّم، غير معلوم له على سبيل التفصيل، فيسمع المخاطب الكلام ولا يعرف محلّه على طريق التفصيل، فيقال على هذا: هو مكلّم من وراء حجاب.

وروى عن مجاهد فى قوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً قال: هو داود أوحى فى صدره فزبر الزّبور، أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ وهو موسى، أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا وهو جبريل إلى محمد صلى الله عليه وآله.

فأما الجبّائىّ فإنه ذكر أنّ المراد بالآية: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا مثل ما يكلّم به عباده من الأمر بطاعته، والنهى لهم عن معاصيه، وتنبيهه إيّاهم على ذلك من جهة الخاطر أو المنام، وما أشبه ذلك على سبيل الوحى.

قال: وإنما سمى الله تعالى ذلك وحيا لأنه خاطر وتنبيه، وليس هو كلاما لهم على سبيل الإفصاح، كما يفصح الرجل منّا لصاحبه إذا خاطبه. والوحى فى اللغة إنما هو ما جرى مجرى الإيماء والتنبيه على شيء من غير أن يفصح به؛ فهذا هو معنى ما ذكره الله تعالى فى الآية.