فقال: ما اليد التى إضافتها اليهود إلى الله تعالى، وادّعوا أنها مغلولة؟ وما نرى أنّ عاقلا من اليهود ولا غيرهم يزعم أن لربّه يدا مغلولة، واليهود تتبرأ من أن يكون فيها قائل بذلك؛ وما معنى الدعاء عليهم ب غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [وهو تعالى ممن لا يصحّ أن](١) يدعو على غيره؟ لأنه تعالى قادر على أن يفعل ما يشاء، وإنما يدعو الداعى بما لا يتمكّن من فعله طلبا له.
الجواب، قلنا: يحتمل أن يكون قوم من اليهود وصفوا الله تعالى بما يقتضي تناهى مقدوره، فجرى ذلك مجرى أن يقولوا: إنّ يده مغلولة، لأنّ عادة الناس جارية بأن يعبّروا بهذه العبارة عن هذا المعنى، فيقولون: يد فلان منقبضة عن كذا، ويده لا تنبسط إلى كذا، إذا أرادوا وصفه بالفقر والقصور، ويشهد بذلك قوله تعالى فى موضع آخر: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ [آل عمران: ١٨١]، ثم قال تعالى مكذبا لهم: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ؛ أى أنه ممّن لا يعجزه شيء، وثنّى اليدين تأكيدا للأمر، وتفخيما له؛ ولأنه أبلغ فى المعنى المقصود من أن يقول: بل يده مبسوطة.
وقد قيل أيضا: إن اليهود وصفوا الله تعالى بالبخل، واستبطئوا فضله ورزقه؛ وقيل:
إنهم قالوا على سبيل الاستهزاء: إن إله محمد الّذي أرسله؛ يداه إلى عنقه؛ إذ ليس يوسّع عليه وعلى أصحابه، / فردّ الله قولهم وكذّبهم بقوله: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ، واليد هاهنا الفضل