إن سأل سائل عن قوله تعالى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا، لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ؛ [مريم: ٣٨].
فقال: ما تأويل هذه الآية؟ فإن كان المراد بها التعجّب من قوة أسماعهم ونفاذ أبصارهم؛ فكيف يطابق ما خبّر به
عنهم فى مواضع كثيرة من الكتاب/ بأنهم لا يبصرون ولا يسمعون وأن على أسماعهم وأبصارهم غشاوة؟ وما معنى قوله تعالى: لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ؟ أىّ يوم هو اليوم المشار إليه؟ وما المراد بالضلال المذكور؟ .
الجواب، قلنا: أمّا قوله تعالى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ؛ فهو على مذهب العرب فى التعجّب؛ ويجرى مجرى قولهم: ما أسمعه! وما أبصره! والمراد بذلك الإخبار عن قوة علومهم بالله تعالى فى تلك الحال؛ وأنهم عارفون به على وجه الاعتراض للشبهة عليه؛ وهذا يدلّ على أنّ أهل الآخرة عارفون بالله تعالى ضرورة؛ ولا تنافى بين هذه الآية وبين الآيات التى أخبر عنهم فيها بأنهم لا يسمعون ولا يبصرون؛ وبأن على أبصارهم غشاوة؛ لأنّ تلك الآيات تناولت أحوال التكليف، وهى الأحوال التى كان الكفار فيها ضلّالا عن الدين، جاهلين بالله تعالى وصفاته. وهذه الآية تناولت يوم القيامة؛ وهو المعنىّ بقوله تعالى: يَوْمَ يَأْتُونَنا؛ وأحوال يوم القيامة لا بدّ فيها من المعرفة الضرورية. وتجرى هذه الآية مجرى قوله تعالى:
فأما قوله تعالى: لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ فيحتمل أن يريد تعالى بقوله: الْيَوْمَ الدّنيا وأحوال التكليف؛ ويكون الضلال المذكور إنما هو الذّهاب عن الدين والعدول عن الحق، فأراد تعالى أنّهم فى الدنيا جاهلون، وفى الآخرة عارفون؛ بحيث لا تنفعهم المعرفة. ويحتمل أن يريد تعالى باليوم يوم القيامة؛ ويعنى تعالى