للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مجلس آخر ٦٨

تأويل آية [يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا. فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا]

إن سأل سائل عن قوله تعالى: يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا. فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا؛ [مريم: ٢٨، ٢٩].

فقال: من هارون الّذي نسبت مريم إلى أنها أخته؟ ومعلوم أنها لم تكن أختا لهارون أخى موسى. وما معنى مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، ولفظة «كان» تدلّ على ما مضى (١) وعيسى عليه السلام فى حال قولهم ذلك كان فى المهد؟

الجواب، قلنا: هارون الّذي نسبت إليه مريم قد قيل فيه أقوال:

منها أن هارون المذكور كان رجلا فاسقا مشهورا بالعهر والشرّ وفساد الطريقة، فلما أنكروا ما جاءت به من الولد، وظنوا بها ما هي مبرأة منه نسبوها إلى هذا الرجل تشبيها وتمثيلا؛ وكان تقدير الكلام: يا شبيهة هارون فى فسقه وقبيح فعله؛ وهذا القول يروى عن سعيد بن جبير.

ومنها أن هارون هذا كان أخاها لأبيها دون أمّها؛ وقيل إنه كان أخاها لأبيها وأمها، وكان رجلا معروفا بالصلاح وحسن الطريقة والعبادة والتألّه.

وقيل: إنه لم يكن أخاها على الحقيقة؛ بل كان رجلا صالحا من قومها، وإنه لما مات شيّع جنازته أربعون ألفا، كلّهم يسمّى هارون، من بنى إسرائيل، فلما أنكروا ما ظهر من أمرها قالوا لها: يا أُخْتَ هارُونَ؛ أى يا شبيهته فى الصلاح، ما كان هذا معروفا منك، ولا كان ووالدك ممن يفعل القبيح، ولا تتطرّق عليه الرّيب!


(١) ف: «ما مضى من الزمان».