فى الاعتراض على أن من استدلّ بدليل السّحارة على أن العالم ملاء، وما أبطل به ذلك
اعلم أنّ فكرت فيما أجاب به أبو هاشم من يقول: إن العالم ملاء، إذا استدل بالآلة التى تسمّى السّحارة (١) على ذلك؛ وادّعى أن علّة وقوف الماء عن النزول من الثّقب الصغار التى فى أسفلها إذا سددنا رأسها هو منع الهواء بسدّ الرأس من أن يحدث فى مكان الماء. وقول أبى هاشم:
إن العلة فى وقوف الماء عن السيلان إذا سددنا رأس السّحارة بالإصبع أن الهواء يمنع الماء من النزول لضعف ما يخرج من الماء فى الثّقب الصغار؛ فإذا فتحنا الرأس دفع الهواء الماء من أعلى السحارة فقوى الماء على النزول؛ فوجدته غير واضح، لأن الماء فيه اعتمادات سفلا وثقل ونفس الهواء على مذهبنا- وهو الصحيح- لا اعتماد فيه
البتة؛ فكيف تمنع ما لا اعتماد فيه للجسم الّذي فيه اعتماد سفلا عن الهبوط والنزول! وإذا كان الهواء هو المانع من نزول الماء من الثّقب الصغار- ومن مذهب أبى هاشم جواز خلوّ الأماكن من الهواء- فكان يجب أن يجوّز أن يسيل الماء من أسفل السحارة مع سدّ أعلاها بالإصبع؛ بأن يصادف ذلك مكانا خاليا من الهواء الّذي يدّعى أنه مانع من نزول الماء.
فأما تقويته لذلك بذكر الريشة، وأنها تقف فى الهواء فلا تنزل؛ لأن الهواء يمنعها من الهبوط، فأوّل ما فيه أن الريش لخفّته ربما أبطأ نزوله؛ فظنّ أنه واقف؛ وربما كان فى الهواء اعتمادات مختلفة صعدا، فتمنع هذه الاعتمادات التى هى فى خلاف جهة اعتمادات الريشة من النزول.
فأما إذا كانت الريشة فى هواء ساكن لا اعتماد فيه فإن الهواء لا يجوز أن يمنعها من الهبوط.
ومن أطرف الأمور قوله: إن الهواء إذا فتحنا عن رأس السحارة يدافع الماء، ويكون
(١) فى حاشية ف، ط: «إن الآلة المعروفة بالسحارة هى الآلة التى يكون فى رأسها ثقب واحد وفى أسفلها ثقوب كثيرة، إذا ملأناها بالماء ثم سددنا رأسها بالإبهام لم ينزل الماء من الثقب التى فى أسفلها؛ وإذا أزلنا إبهامنا نزل الماء؛ ولا علة لذلك إلا أنها عند سد رأسها بالإبهام منعنا الهواء من أن يخلف فى مكان الماء».