فقال: ما تأويل هذه الآية؟ أوليس ظاهرها يقتضي أنّا لا نشاء شيئا إلا والله تعالى شاء له، ولم يخصّ إيمانا من كفر، ولا طاعة من معصية؟
الجواب، قلنا: الوجه المذكور فى هذه الآية، أنّ الكلام متعلّق بما تقدّمه من ذكر الاستقامة؛ لأنه تعالى قال: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ؟ ثم قال: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ؛ أى لا تشاءون الاستقامة إلّا والله تعالى مريد لها؛ ونحن لا ننكر أن يريد الله تعالى الطاعات؛ وإنما أنكرنا إرادته المعاصى؛ وليس لهم أن يقولوا:
تقدّم ذكر الاستقامة لا يوجب قصر الكلام عليها؛ ولا يمنع من عمومه؛ كما أن السبب لا يوجب قصر ما يخرج من الكلام عليه حتى لا يتعدّاه؛ وذلك أن الّذي ذكروه إنما يجب فيم يستقل بنفسه من الكلام دون ما لا يستقل.
وقوله تعالى: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ لا ذكر للمراد فيه؛ فهو غير مستقل بنفسه؛ وإذا علّق بما تقدم من/ ذكر الاستقامة استقلّ؛ على أنه لو كان للآية ظاهر يقتضي ما ظنوه- وليس لها ذلك- لوجب الانصراف عنه بالأدلة الثابتة؛ على أن الله تعالى لا يريد المعاصى ولا القبائح؛ على أن مخالفينا فى هذه المسألة لا يمكنهم حمل الآية على العموم؛ لأن العباد قد يشاءون عندهم ما لا يشاؤه الله تعالى؛ بأن يريدوا الشيء ويعزموا عليه، فلا يقع لمنع أو غيره؛ وكذلك قد يريد النبي عليه السلام من الكفار الإيمان، وتعبّدنا بأن نريد من المقدم على القبيح تركه؛ وإن كان تعالى عندهم لا يريد ذلك إذا كان المعلوم أنه لا يقع؛ فلا بد لهم