للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكى أن أبا النظام (١) جاء به وهو حدث إلى الخليل بن أحمد، ليعلّمه، فقال له الخليل يوما يمتحنه، وفى يده قدح زجاج: يا بنيّ، صف لى هذه الزجاجة، فقال: أبمدح أم بذم؟

قال: بمدح، قال: نعم، تريك القذى، لا تقبل الأذى، ولا تستر ما وراء؛ قال: فذمّها، قال: سريع كسرها، بطيء (٢) جبرها، قال: فصف هذه النخلة، وأومأ إلى نخلة فى داره، فقال: أبمدح أم بذم؟ قال: بمدح، قال: هى حلو مجتناها، باسق منتهاها، ناضر أعلاها؛ قال: فذمّها قال: هى صعبة المرتقى، بعيدة المجتنى، محفوفة بالأذى؛ فقال الخليل:

يا بنيّ، نحن إلى التعلّم منك أحوج.

قال سيدنا المرتضى أدام الله علوّه: وهذه بلاغة من النظّام حسنة، لأن البلاغة هى وصف الشيء ذمّا أو مدحا بأقصى ما يقال فيه.

*** [اختبار لبيد بهجائه للبقلة وخبره مع الربيع بن زياد عند النعمان: ]

وشيبه بهذا المعنى خبر لبيد (٣) المشهور فى هجائه (٤) البقلة، التى امتحن بهجائها، واختبر بذمها، فقال فيها أبلغ ما يقال فى مثلها، وذلك أن عمارة وأنسا وقيسا والربيع بنى زياد العبسيين وفدوا على النعمان بن المنذر، ووفد

عليه العامريون بنو أم البنين (٥)، وعليهم أبو البراء عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب، وهو ملاعب الأسنّة، وكان العامريون ثلاثين رجلا،


(١) حواشى الأصل، ت، ف: «كان النظام شاعرا فصار متكلما، وبالعكس منه أبو نواس».
(٢) من نسخة بحاشية ت: «بعيد».
(٣) فى حاشيتى الأصل، ف: «كان لبيد صحابيا مخضرما، وبقى بعد رسول الله صلى الله عليه وآله زمانا، وكان مستبصرا حسن الطريقة، وكان لا يقول الشعر بعد إسلامه ويقول: عوضنى الله البقرة وآل عمران والمخضرم: الّذي أدرك الجاهلية والإسلام».
وانظر الخبر ضمن ترجمة لبيد وذكر نسبه وأخباره فى (الأغانى ١٤ - ٩٠ - ٩٨، والخزانة ٤: ١١٧، ومجالس ثعلب ٤٤٩ - ٤٥٠، وشعراء النصرانية ٧٩٠، والعمدة ١: ٢٧، والحيوان ٥: ١٧٣).
(٤) من نسخة بحاشية ت: «وهجائه».
(٥) هى فاطمة بنت الخرشب الأنمارية؛ إحدى المنجبات من العرب؛ وكان يقال لبنيها الكملة؛ روى أن عبد الله بن جدعان لقيها وهى تطوف بالكعبة؛ فقال لها: نشدتك الله برب هذه البنية! أى بنيك أفضل؟ قالت: الربيع؛ لا بل عمارة؛ لا بل أنس؛ ثكلتهم إن كنت أدرى أيهم أفضل»، (وانظر الأغانى ١٦: ١٩).