للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسألة]

إن اعترض معترض على ما نقوله من أنّ الاستثناء إنما يخرج من الجمل ما صحّ دخوله فيها؛ وليس بواجب أن يخرج منها ما وجب دخوله؛ بأن يقول: هذا يقتضي حسن أن يقول القائل: جاءنى رجل إلا زيدا؛ لأنّ لفظة «رجل» تصلح أن تقع على زيد وعمرو.

يقال له: من حق الاستثناء فى اللغة العربية أن يدخل على الجمل من الكلام فيخرج منها ما يصلح دخوله على مذهب مخالفنا. ولا يصحّ دخول الاستثناء على ألفاظ الوحدة. ورجل لفظ واحد، وإن وقع فى المعنى على الطويل والقصير، وزيد وعمرو. والاستثناء إنما يخرج من الجمل ما يتناولها لفظها دون معناها؛ فلهذا لم يستحسنوا: جاءنى رجل إلا زيدا؛ وقد يستحسنون فى هذا الموضع ما يجرى مجرى الاستثناء بغير لفظة «إلّا»؛ فيقولون: جاءنى رجل ليس زيدا وليس بزيد، فيخرجون من الكلام ما صحّ تناوله له- وإن لم يسموه استثناء، - ولا استحسنوا لفظة «إلا» إلّا خاصة للاستثناء. ولولا صحة الأصل الّذي ذكرناه لما استحسنوا أن يقولوا: جاءنى رجال إلا زيدا؛ لأنهم أخرجوا بالاستثناء ما تصلح لفظة «رجال» له دون ما تتناوله وجوبا.

فإن قيل: ألّا كان قوله: «جاءنى رجال» للجنس دون ما يدعى من تناوله للثلاثة فصاعدا، فلهذا حسن الاستثناء منه بإلّا. ولفظة «رجل» فى قولهم: جاءنى رجل للجنس!

قلنا: لو كان لفظة «رجال» أريد به جنس الرجال على العموم حسن استثناء النكرة منه، من غير وصف لها، ولا تقريب من المعرفة؛ حتى نقول: جاءنى رجال إلا رجلا؛ لأنه إذا أريد الجنس حسن ذلك لا محالة، كحسنه لو قال جاءنى الرجال (بالألف واللام) إلا رجلا؛ وأجمعوا على أنّ ذلك لا يجوز؛ لأنه غير مفيد. ولو أريد بلفظة «رجال» هاهنا الجنس لكان استثناء الرجل الواحد منها من غير وصف له مفيدا. فأما لفظة «رجل» فى الإثبات كقولهم:

جاءنى رجل، فإنه لا يجوز أن يكون عبارة عن الجنس فى شيء من كلامهم. ولو أرادوا به الجنس لحسن الاستثناء؛

كما يحسن من ألفاظ الجنس؛ وإنما يراد فى بعض المواضع بلفظة «رجل» الجنس إذا كانت فى النفى، مثل قولهم: ما جاءنى رجل، وما ضربت رجلا؛ وهاهنا يجوز أن تستثنى فتقول: إلا زيدا.