للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عهدتك وإنّ شأنك لشؤين، فقال له شريح: انت امرؤ تعرف النعمة فى غيرك، وتنساها فى نفسك.

[ما دار بين الفرزدق والحطيئة عند سعيد بن العاص: ]

وروى أبو العيناء عن العتبىّ قال: دخل الفرزدق إلى سعيد بن العاص، وعنده الحطيئة، فلما مثل بين يديه قال:

/ إليك فررت منك ومن زياد ... ولم أحسب دمى لكما حلالا (١)

فإن يكن الهجاء أحلّ قتلى ... فقد قلنا لشاعركم وقالا (٢)

ترى الغرّ الجحاجح من قريش ... إذا ما الأمر فى الحدثان عالا (٣)

قياما ينظرون إلى سعيد ... كأنّهم يرون به هلالا (٤)

فقال له الحطيئة: هذا والله أيها الأمير الشّعر، لا ما كنّا نعلّل (٥) به منذ اليوم، يا غلام أقدمت أمك الحجاز؟ فقال: لا، ولكن قدمه أبى.

أراد الحطيئة بقوله: إن كانت قدمت أمّك الحجاز، فقد وقعت بها (٦)، وكنت منّى، وأراد الفرزدق بقوله: «ولكن قدمه أبى» أى وقع بأمك فكنت أنت (٧).

ويشبه ذلك ما روى أنّ الفرزدق كان ينشد شعره يوما، والناس حوله، إذ مرّ به الكميت بن زيد، فقال له الفرزدق: كيف ترى شعرى؟ فقال الكميت: حسن بسن، فقال له الفرزدق:

أيسرّك أنى أبوك، قال: أمّا أبى فلا أريد به بدلا (٨)، ولكن يسرّنى أن لو كنت أمى! فقال له


(١) ديوانه: ٦١٧، وبعده:
ولكنّى هجوت وقد هجتنى ... معاشر قد رضخت لهم سجالا.
(٢) بعده:
وإن تك فى الهجاء تريد قتلى ... فلم تدرك لمنتصر مقالا.
(٣) عال: فدح وأثقل؛ وبعده:
بنى عمّ الرسول ورهط عمرو ... وعثمان الذين علوا فعالا.
(٤) حاشية ت (من نسخة): «الهلالا».
(٥) حاشية ت (من نسخة): «ما كنت تعلل».
(٦) حاشية ت (من نسخة): «وقعت عليها».
(٧) ابن الشجرى: «فكنت أنت أخى».
(٨) حاشية ت (من نسخة): «بديلا».