للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

١٦ مجلس آخر [المجلس السادس عشر: ]

تأويل آية [: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍ]

قال سيدنا الشريف الأجلّ ذو المجدين/ أطال الله بقاءه: إن سأل سائل فقال: ما الوجه فى قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ [آل عمران: ٢١]، وفى موضع آخر: وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ [النساء: ١٥٥]؛ وظاهر هذا القول يقتضي أنّ قتلهم قد يكون بحقّ. وقوله تعالى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ؛ [المؤمنون: ١١٧]. وقوله: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها؛ [الرعد: ٢]، وقوله: وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا؛ [البقرة: ٤١]، وقوله تعالى: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً؛ [البقرة: ٢٧٣]؛ والسؤال عن هذه الآيات كلّها من وجه واحد وهو الّذي تقدم.

الجواب، أنّ للعرب فيما جرى هذا المجرى من الكلام عادة معروفة، ومذهبا مشهورا، عند من تصفّح كلامهم وفهم عنهم. ومرادهم بذلك المبالغة فى النفى وتأكيده؛ فمن ذلك قولهم: فلان لا يرجى خيره؛ ليس يريدون أنّ فيه خيرا لا يرجى، وإنما غرضهم أنّه لا خير عنده على وجه من الوجوه؛ ومثله: قلّما رأيت مثل هذا الرجل، وإنما يريدون أنّ مثله لم ير لا قليلا ولا كثيرا؛ وقال امرؤ القيس:

على لاحب لا يهتدى بمناره (١) ... إذا سافه العود الدّيافىّ جرجرا (٢)

يصف طريقا؛ وأراد بقوله: «لا يهتدى بمناره» أنه لا منار له فيهتدى بها.


(١) من نسخة بحاشية الأصل: «بمنارة».
(٢) ديوانه: ١٠١، واللاحب: الطريق المنقاد الّذي لا ينقطع. والمنار: جمع منارة؛ وهى العلامة التى تجعل بين الحدين؛ ورواية الديوان: «النباطى».