إن سأل سائل عن قوله تعالى: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ؛ [البقرة: ٢١٠] فقال: كيف يصحّ القول بأنّها رجعت عليه وهى لم تخرج عن يده؟ .
الجواب، قلنا قد ذكر فى ذلك وجوه:
أولها أنّ الناس فى دار المحنة والتكليف قد يغترّ بعضهم ببعض، ويعتقدون فيهم أنهم يملكون جرّ المنافع إليهم
وصرف المضارّ عنهم، وقد تدخل عليهم الشّبه لتقصيرهم فى النظر، وعدولهم عن وجهه وطريقه، فيعبد قوم الأصنام وغيرها من المعبودات الجامدة الهامدة التى لا تسمع ولا تبصر، ويعبد آخرون البشر، ويجعلونهم شركاء لله تعالى فى استحقاق العبادة؛ ويضيف كلّ هؤلاء أفعال الله عز وجل فيهم إلى غيره، فإذا جاءت الآخرة، وانكشف الغطاء واضطرّوا إلى المعارف زال ما كانوا عليه فى الدنيا من الضلال واعتقاد الباطل، وأيقن الكلّ أنّه لا خالق ولا رازق ولا ضارّ ولا نافع غير الله تعالى فردوا إليه أمورهم، وانقطعت آمالهم من غيره، وعلموا أنّ الّذي كانوا عليه من عبادة غيره، وتأميله للضّرّ والنفع غرور وزور، فقال الله تعالى: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ لهذا المعنى.
والوجه الثانى أن يكون معنى الآية فى الأمور أنّ الأمور كلّها لله تعالى، وفى يده وقبضته من غير خروج ورجوع حقيقىّ؛ وقد تقول العرب: قد رجع عليّ من فلان مكروه، بمعنى صار إلى منه؛ ولم يكن سبق إلى قبل هذا الوقت، وكذلك يقولون: قد/ عاد عليّ من زيد كذا وكذا وإن وقع منه على سبيل الابتداء قال الشاعر:
وإن تكن الأيّام أحسن مرّة ... إلى فقد عادت لهنّ ذنوب