للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٣٥ مجلس آخر [المجلس الخامس والثلاثون: ]

تأويل آية [خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ: ]

إن سأل سائل عن تأويل قوله تعالى: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ؛ [الأنبياء: ٢٧].

الجواب، قيل له: قد ذكر فى هذه الآية وجوه من التأويل نحن نذكرها، ونرجّح الأرجح منها:

أوّلها أن يكون معنى القول المبالغة فى وصف الإنسان بكثرة العجلة، وأنه شديد الاستعجال لما يؤثره من الأمور، لهج باستدناء ما يحلب (١) إليه نفعا، أو يدفع عنه ضررا؛ ولهم عادة فى استعمال مثل هذه اللفظة عند المبالغة؛ كقولهم لمن يصفونه بكثرة النوم: ما خلقت إلّا من نوم، وما خلق فلان إلّا من شر؛ إذا أرادوا كثرة وقوع الشرّ منه؛ وربما قالوا: ما أنت إلّا أكل وشرب، وما أشبه ذلك، قالت الخنساء تصف بقرة (٢):

ترتع ما غفلت حتّى إذا ادّكرت ... فإنما هى إقبال وإدبار (٣)

وإنما أرادت ما ذكرناه من كثرة وقوع الإقبال والإدبار منها.

ويشهد لهذا التأويل قوله تعالى فى موضع آخر: وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا، [الإسراء: ١١]، ويطابقه أيضا قوله تعالى: فَلا تَسْتَعْجِلُونِ؛ لأنه وصفهم بكثرة العجلة وأنّ من شأنهم فعلها، توبيخا لهم وتقريعا، ثم نهاهم عن الاستعجال باستدعاء الآيات من


(١) حاشية ف (من نسخة): «ماجر».
(٢) من نسخة بحاشيتى الأصل، ف: «نافة».
(٣) ديوانها: ٣٨، واللسان (سوا)؛ وفى ف، وحاشية الأصل (من نسخة): «ما رتعت»؛ وهى رواية الديوان.