إن سأل سائل فقال: ما عندكم فى تأويل قوله تعالى: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ؛ [هود: ١١٨، ١١٩].
وظاهر هذه الآية يقتضي أنّه تعالى ما شاء أن يكونوا أمة واحدة وأن يجتمعوا على الإيمان والهدى؛ وهذا بخلاف ما تذهبون إليه؛ ثم قال: وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ فلا يخلو من أن يكون عنى أنّه للاختلاف خلقهم، أو للرحمة؛ ولا يجوز أن يعنى الرحمة؛ لأن الكناية عن الرحمة لا تكون بلفظة «ذلك»؛ ولو أرادها لقال: ولتلك خلقهم، فلما قال وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ كان رجوعه إلى الاختلاف أولى. وليس يبطل حمل الآية على الاختلاف من حيث لم يكن مذكورا فيها؛ لأن الرحمة أيضا غير مذكورة فيها، وإذا جعلتم قوله تعالى: إِلَّا مَنْ رَحِمَ دالّا على الرحمة فكذلك قوله: مُخْتَلِفِينَ دالّ على الاختلاف؛ على أن الرحمة هى رقة القلب والشفقة؛ وذلك لا يجوز على الله تعالى، ومتى تعدّى بها ما ذكرناه، لم يعن بها إلا العفو وإسقاط الضرر، وما جرى مجراه (١) عن مستحقّه، وهذا مما لا يجوز أن يكونوا مخلوقين له على مذهبكم، لأنه لو خلقهم للعفو لما حسن منه عقاب المذنبين ومؤاخذة المستحقين.
الجواب، يقال له: أما قوله تعالى: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ فإنما عنى به المشيئة التى ينضمّ إليها الإلجاء، ولم يعن/ المشيئة على سبيل الاختيار، وإنما أراد تعالى أن يخبرنا عن قدرته، وأنه ممّن لا يغالب، ولا يعصى مقهورا؛ من حيث كان قادرا على إلجاء العبيد، وإكراههم على ما أراد منهم.
فأما لفظة «ذلك» فى الآية فحملها على الرحمة أولى من حملها على الاختلاف؛ لدليل