إن سأل سائل فقال: بم تدفعون من خالفكم فى الاستطاعة، وزعم أن المكلّف يؤمر بما لا يقدر عليه ولا يستطيعه إذا تعلق بقوله تعالى: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا؛ [الإسراء: ٤٨] فإن الظاهر من هذه الآية يوجب أنهم غير مستطيعين للأمر الّذي هم غير فاعلين له، وأن القدرة مع الفعل. وإذا تعلق بقوله تعالى:
فى قصة موسى عليه السلام: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً؛ [الكهف: ٦٧]؛ وأنه نفى أن يكون قادرا على الصبر فى حال هو فيها غير صابر؛ وهذا يوجب أنّ القدرة مع الفعل.
الجواب، يقال له: أول ما نقوله: إنّ المخالف لنا فى هذا الباب من الاستطاعة لا يصحّ له فيه التعلّق بالسمع؛ لأن مذهبه لا يسلم معه صحة السمع، ولا يتمكن مع المقام عليه من معرفة السمع بأدلته؛ وإنما قلنا ذلك؛ لأن من جوّز تكليف الله تعالى الكافر الإيمان وهو لا يقدر عليه لا يمكنه العلم بنفى القبائح عن الله عز وجل؛ وإذا لم يمكن ذلك فلا بدّ من أن يلزمه تجويز القبائح فى أفعاله وأخباره؛ ولا يأمن من أن يرسل كذابا، وأن يخبر هو بالكذب- تعالى عن ذلك! فالسمع إن كان كلامه قدح فى حجته تجويز الكذب عليه، وإن كان كلام رسوله قدح فيه ما يلزمه من تجويز تصديق الكذّاب؛ وإنما طرق ذلك تجويز بعض القبائح عليه.
وليس لهم أن يقولوا: إن أمره تعالى الكافر بالإيمان وإن لم يقدر عليه يحسن من حيث أتى الكافر فيه من قبل نفسه؛ لأنه تشاغل بالكفر فترك الإيمان. وإنما كان يبطل تعلّقنا/ بالسمع لو أضفنا ذلك إليه تعالى على وجه يقبح؛ وذلك لأن ما قالوه إذا لم يؤثّر فى كون ما ذكرناه