للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تأويل خبر [«ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن»]

قال أبو عبيد القاسم بن سلّام فيما يروى عن النبىّ صلى عليه وآله: «ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن». قال: أراد: يستغنى به، واحتجّ بقولهم: تغنّيت تغنيا، وتغانيت تغانيا، وأنشد بيت الأعشى:

وكنت امرأ زمنا بالعراق ... عفيف المناخ طويل التّغنّ (١)

وقول الآخر:

كلانا غنىّ عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشدّ تغانيا (٢)

واحتجّ أيضا بقول ابن مسعود: «من قرأ سورة آل عمران فهو غنىّ»، أى مستغن، وبالحديث الآخر: «نعم كنز الصّعلوك سورة آل عمران يقوم بها (٣) فى آخر الليل»؛ والصّعلوك الفقير، واحتجّ بحديث آخر يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أنه قال: «لا ينبغى لحامل القرآن أن يظنّ أنّ أحدا أعطى أفضل مما أعطى، لأنّه لو ملك الدنيا بأسرها لكان القرآن أفضل ممّا ملكه». واحتجّ أيضا بخبر يرفعه (٤) عن عبد الله بن نهيك أنه دخل على سعد (٥) بيته (٦)، فإذا مثال رثّ، ومتاع رثّ، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن».

قال أبو عبيد: فذكره المتاع الرثّ، والمثال الرثّ يدلّ على أن التغنّى بالقرآن الاستغناء به


(١) ديوانه: ٢٢، واللسان (غنى).
(٢) نسبه صاحب اللسان فى (غنى) إلى المغيرة بن حبناء التميمى؛ وذكره المبرد فى (الكامل ٣: ١٤ - بشرح المرصفى) ضمن أبيات لعبد الله ابن معاوية، أولها:
رأيت فضيلا كان شيئا ملفّفا ... فكشّفه التّمحيص حتّى بدا ليا
وقبله:
فعين الرّضا عن كلّ عيب كليلة ... ولكنّ عين السّخط تبدى المساويا.
(٣) حاشية الأصل: «بقراءتها».
(٤) فى نسخة بحواشى الأصل، ت، ف: «يرويه».
(٥) حاشية الأصل: «هو سعد بن أبى وقاص».
(٦) كذا فى الأصل، وحاشية ف؛ وفى د، ف، وحاشية ت (من نسخة): «فى بيته».