للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحبّك والقريب بنا بعيد ... لأن ناسبت بثنة من قريب

فقلت له- وكنت أفعل هذا كثيرا به لأستجرّ كلامه وعلمه-: يا أبا سعيد، ذاك أخوها، وهذا غلامها (١) فضحك، وقال: أنشد أبو عمرو- أو قال غيره:

أرى كلّ أرض (٢) أوطنتها وإن خلت ... لها حجج تندى بمسك ترابها

وأقسم لو أنّى أرى تبعا لها (٣) ... ذئاب الغضى حبّت إلى ذئابها

قال: فجعلت أعجب من قرب لسانه من قلبه وإجادة حفظه له متى أراده.

*** [تأويل الأصمعىّ لبيت من شعر امرئ القيس: ]

وبهذا الإسناد عن إسحاق الموصلىّ قال قرأت على الأصمعىّ شعر امرئ القيس، فلما بلغت إلى هذا البيت:

أمن أجل أعرابية حلّ أهلها ... بروض الشّرى عيناك تبتدران! (٤)

فقال لى أتعرف فى هذا البيت خبئا باطنا غير ظاهر؟ قلت: لا، فسكت عنّى، فقلت:

إن كان فيه شيء فأفدنيه، فقال: نعم، أما يدلّك البيت على أنه لفظ ملك مستهين ذى قدرة على ما يريد؟ / قال إسحاق: وما رأيت قطّ مثل الأصمعىّ بالعلم بالشعر.


(١) من نسخة بحاشية الأصل: «غلامة».
(٢) ف: «كل دار».
(٣) حاشية الأصل من نسخة: «حلفت لو أنى»، ومن نسخة أخرى: «حلفت إلهى»، ومن نسخة أخرى:
* حلفت بأنى لو أرى تبعا لها*.
(٤) ديوانه: ١٢٤؛ وروايته:
أمن ذكر نبهانيّة حلّ أهلها ... بجزع الملا عيناك تبتدران!
قال شارحه: «نبهانية: امرأة من نبهان، ونبهان من طيئ، وكان امرؤ القيس نازلا فيهم ثم ارتحل عنهم، والجزع: منعطف الوادى، والملا: ما استوى من الأرض؛ ومعنى تبتدران تستبقان بالدمع؛ أى أنه لما أبدع به الشوق وغلبه البكاء لام نفسه على ذلك. وفى حاشية الأصل: «قبله:
فدمعهما سحّ وسكب وديمة ... ورشّ وتوكاف وتنهملان.