ما حقيقة العصمة التى يعتقد وجوبها للأنبياء والأئمة عليهم السلام؟ وهل هى معنى يضطرّ إلى الطاعة ويمنع من المعصية، أو معنى يضامّ الاختيار؟ فإن كان معنى يضطر إلى الطاعة ويمنع من المعصية، فكيف يجوز الحمد والذم لفاعلها! وإن كان معنى يضامّ الاختيار فاذكروه، ودلّوا على صحة مطابقته له، ووجوب اختصاص المذكورين به دون سواهم؛ فقد قال بعض المعتزلة: إن الله تعالى عصم أنبياءه بالشهادة لهم بالاستعصام؛ كما
ضلّل قوما بنفس الشهادة عليهم بالضلال؛ فإن يكن ذلك هو المعتمد أنعم بذكره، ودلّ على صحته وبطلان ما عساه يعلمه من الطعن عليه؛ وإن يكن باطلا دلّ على بطلانه وصحة الوجه المعتمد فيه دون ما سواه.
الجواب، اعلم أنّ العصمة هى اللّطف الّذي يفعله الله تعالى، فيختار العبد عنده الامتناع من فعل القبيح؛ فيقال على هذا: إنّ الله تعالى عصمه بأن فعل له ما اختار عنده العدول عن القبيح؛ ويقال: إن العبد معصوم؛ لأنه اختار عند هذا الدّاعى الّذي فعل له الامتناع من القبيح.
وأصل العصمة فى موضوع اللّغة المنع؛ يقال عصمت فلانا من السوء إذا منعت من حلوله به؛ غير أنّ المتكلّمين أجروا هذه اللفظة على من امتنع باختياره عند اللّطف الّذي يفعله الله تعالى به؛ لأنّه إذا فعل به ما يعلم أنه يمتنع عنده من فعل القبيح فقد منعه من القبيح؛ فأجروا عليه لفظة المانع قهرا وقسرا؛ وأهل اللغة يتعارفون ذلك أيضا ويستعملونه؛ لأنهم يقولون فيمن أشار على غيره برأى فقبله منه مختارا، واحتمى بذلك من ضرر يلحقه، وسوء يناله: إنه حماه من ذلك الضرر، ومنعه وعصمه منه؛ وإن كان ذلك على سبيل الاختيار.
فإن قيل: أفتقولون فيمن لطف له بما اختار عنده الامتناع من فعل واحد قبيح: إنه معصوم؟