للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: نقول ذلك مضافا ولا نطلقه؛ فنقول: إنه معصوم من كذا، ولا نطلق فنوهم أنه معصوم من جميع القبائح، ونطلق فى الأنبياء والأئمة عليهم السلام العصمة بلا تقييد؛ لأنّهم عندنا لا يفعلون شيئا من القبائح، بخلاف ما يقوله المعتزلة من نفى الكبائر عنهم دون الصغائر.

فإن قيل: فإذا كان تفسير العصمة ما ذكرتم فألّا عصم الله تعالى جميع المكلّفين، وفعل بهم ما يختارون عنده الامتناع من القبائح؟

قلنا: كلّ من علم الله تعالى أنه له لطفا يختار عنده الامتناع من القبائح؛ فإنه لا بدّ أن يفعل به؛ وإن لم يكن نبيا ولا إماما؛ لأنّ التكليف يقتضي فعل اللّطف على ما دلّ عليه فى مواضع كثيرة؛ غير أنّه لا يمتنع أن يكون فى المكلّفين من ليس فى المعلوم أنّ شيئا متى فعل اختار عنده الامتناع من القبيح؛ فيكون هذا المكلّف لا عصمة له فى المعلوم ولا لطف. وتكليف من لا لطف له يحسن ولا يقبح؛ وإنما القبيح منع اللّطف فيمن له لطف؛ مع ثبوت التكليف.

فأما قول بعضهم: إن العصمة هى الشهادة من الله تعالى بالاستعصام فباطل؛ لأن الشهادة لا تجعل الشيء على ما هو به؛ وإنما تتعلق به على ما هو عليه؛ لأنّ الشهادة هى الخبر، والخبر عن كون الشيء على صفة لا يؤثر فى كونه عليها؛ فنحتاج أولا إلى أن يتقدم لنا العلم بأنّ زيدا معصوم أو معتصم؛ ونوضّح عن معنى ذلك، ثم تكون الشهادة من بعد مطابقة لهذا العلم؛ وهذا بمنزلة من سئل عن حدّ المتحرّك فقال: هو الشهادة بأنه متحرّك؛ أو المعلوم أنه

على هذه الصفة.

وفى هذا البيان كفاية لمن تأمّله.