وما الّذي أثبت لهم العلم به؟ وكيف يطابق وصفهم هاهنا بالعلم لوصفهم بالجهل فى قوله تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ؛ [الزمر: ٦٤].
الجواب، قلنا: هذه الآية معناها متعلّق بما قبلها؛ لأنه تعالى أمرهم بعبادته، والاعتراف بنعمته؛ ثم عدّد عليهم صنوف النّعم التى ليست إلا من جهته؛ ليستدلّوا بذلك على وجوب عبادته؛ وإن العبادة إنما تجب لأجل النّعم المخصوصة؛ فقال جل من قائل: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً إلى آخر الآية؛ ونبّه فى آخرها على وجوب توحيده والإخلاص له، وألّا يشرك به شيء، بقوله تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
ومعنى قوله تعالى: جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً أى يمكن أن تستقرّوا عليها وتفرشوها وتتصرفوا فيها؛ وذلك لا يمكن إلا بأن تكون مبسوطة ساكنة دائمة السكون.
وقد استدل أبو عليّ بذلك، وبقوله تعالى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً على بطلان ما تقوّله المنجّمون من أن الأرض كريّة الشكل؛ وهذا القدر/ لا يدرك؛ لأنه يكفى فى النعمة علينا أن يكون فيها بسائط ومواضع مسطوحة يمكن التصرّف عليها؛ وليس يجب أن يكون جميعها كذلك؛ ومعلوم ضرورة أن جميع الأرض ليس مسطوحا مبسوطا وإن كان