للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سمين الضّواحى لم تؤرّقه ليلة ... وأنعم أبكار الهموم وعونها

ورفع «ليلة» فقال الأصمعىّ: من روّاك هذا؟ فقال مؤدبى؛ فأحضره فاستنشده فأنشده، ورفع «ليلة»، فأخذ ذلك عليه؛ وفسر البيت فقال: إنما أراد: لم تؤرّقه ليلة أبكار الهموم وعونها، وأنعم، أى زاد على هذه الصفة.

وقوله: «سمين الضواحى» أى ما ظهر منه وبدا سمين، ثم قال الأصمعى لابن سلم:

من لم يحسن هذا المقدار فليس موضعا لتأديب ولد الملوك.

*** [حديث الأصمعىّ عن بشار بن برد: ]

وأخبرنا المرزبانىّ قال: حدثنا أحمد بن المكىّ قال حدثنا أبو العيناء قال حدثنا الأصمعىّ قال: ولد بشّار بن برد أكمه لم ينظر إلى الدنيا قطّ- وكان ذا فطنة- فقلت له يوما: من أين لك هذا الذكاء؟ قال: من قدم العمى؛ وعدم

النواظر يمنع من كثير من الخواطر المذهلة فيكسب فراغ الذهن؛ وصحة الذكاء، وأنشد لنفسه يفخر بالعمى:

/ عميت جنينا والذكاء من العمى ... فجئت عجيب الظّنّ للعلم موئلا (١)

وغاض ضياء العين للعقل رافدا ... بقلب إذا ما ضيّع الناس حصّلا

وشعر كنور الرّوض لا أمت بينه ... بقول إذا ما أحزن الشّعر أسهلا

*** [نقد بشار لشعر سمعه: ]

وأخبرنا المرزبانىّ قال أخبرنا محمد بن العباس اليزيدىّ قال حدثنا أبو العيناء قال حدثنا الأصمعىّ قال: أنشد رجل وأنا حاضر بشارا قول الشاعر:

وقد جعل الأعداء ينتقصوننا ... وتطمع فينا ألسن وعيون (٢)

ألا إنما ليلى عصا خيزرانة ... إذا غمزوها بالأكفّ تلين

فقال بشار: والله لو جعلها عصا مخ أو زبد لما كان إلّا مخطئا مع ذكر العصا! ألا قال كما قلت:


(١) الأغانى ٣: ٢٣.
(٢) الخبر والأبيات فى أمالى الزجاجى: ١٣٦.