للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تأويل آية [وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ]

إن سأل سائل عن قوله تعالى: وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ؛ [الزخرف: ٨٦].

الجواب، قلنا: أما الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ فالمراد به ما كان يعتقده المشركون، ويدعونه إلها من دون الله. والهاء فى دُونِهِ راجعة إلى اسم الله تعالى. وتحقيق الكلام:

ولا يملك الذين يدعون إلها وأربابا من دون الله تعالى الشفاعة. ولما كثر استعمال هذه اللفظة فيمن يعبد من دون الله، ويدعى إلها رازقا استحسنوا الحذف لظهور الأمر فى المراد؛ ولهذا حمل محققو المفسّرين قوله تعالى: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ؛ [الفرقان: ٧٧] الآلهة من دونه، وحذف ما يتعلّق بهذا الدعاء فى هذه الآية أشكل من حذفه فى قوله تعالى:

الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ؛ لأنّ قوله جل وعز: مِنْ دُونِهِ قد نبّه وأيقظ على أنّ المراد: من كان يدعى إلها من دونه.

والآية الأخرى لا دليل فيها من لفظها على ما يتعلق به قوله: دُعاؤُكُمْ.

ومعنى أنهم لا يملكون الشفاعة، أى ليس لهم أن يفعلوها ويتصرّفوا فيها؛ لأن معنى المالك ليس هو إلا من كان قادرا على التصرّف فيه؛ وليس لأحد أن يمنعه من ذلك؛ والشفاعة قد بيّنا فى غير موضع من كتبنا أنها لا تستعمل على طريقة الحقيقة إلا فى طلب إسقاط المضارّ؛ وإنما استعملت فى إيصال المنافع تجوّزا فيه واستعارة.

وقيل فى معنى الآية وجهان: أحدهما أنّ المعبودين من عيسى ومن مريم والملائكة وعزير عليهم السلام؛ لا يملك الشفاعة عند الله تعالى [أحد منهم] فى أحد إلا فيمن شهد بالحق، وأقرّ التوحيد، وبجميع ما يجب عليه الإقرار

به.

والوجه الآخر أنّ الذين يدعون من دون الله من البشر والأجسام وجميع المعبودات لا يملك الشفاعة عند الله إلا من شهد بالحق منهم يعنى عيسى وعزيرا والملائكة عليهم السلام؛ لا يملكون