الشفاعة عند الله تعالى إلا إذا كانوا على الحق شاهدين به؛ معترفين بجميعه؛ فإنهم يملكون الشفاعة عند الله؛ وإن كان لا يملكها ما عداهم من المعبودات.
والفرق بين الوجهين أنّ الوجه الأول يرجح الاستثناء فيه إلا من تتناوله الشفاعة؛ وفى الوجه الثانى يرجح الاستثناء إلى الشافع دون المشفوع فيه.
فإن قيل: أى الوجهين أرجح؟
قلنا: الثانى؛ وإنما رجحناه لأن المقصد بالكلام أنّ الذين يدعونهم من دون الله تعالى لا يملكون لهم نفعا؛ كما قال تعالى فى مواضع إنهم لا ينفعونكم، ولا يضرونكم، ولا يرزقونكم؛ ووضع الكلام على نفى منفعة تصل إليهم من جهتهم؛ ولا غرض فى عموم من يشفعون فيه أو خصوصه.
ولما كان فيمن عبدوه من نبىّ أو ملك من يجوز أن يشفع فيمن تحسن الشفاعة له، وجب استثناؤه حتى لا يتوهّم أنّ حكم جميع من عدّده واحد؛ فى أنه لا تصح منه الشفاعة؛ وأنّ من كان تصح منه الشفاعة إنما يشفع فيمن تحسن الشفاعة له ممن لم يكن كافرا ولا جاحدا.
ويترجّح هذا الوجه من جهة أخرى؛ وهى أنا لو جعلنا الاستثناء يرجع إلى من يشفع فيه لكان الكلام يقتضي أنّ جميع من يدعون من دون الله يشفع لكل من شهد بالحق، والأمر بخلاف ذلك؛ لأنه ليس كل من عبدوه من دون الله تعالى تصح منه الشفاعة؛ لأنهم عبدوا الأصنام، وبعض عبد الكواكب والشفاعة لا تصح منها؛ فلا بدّ من أن تخصص الكلام ونقدره هكذا: لا يملك بعض الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا فيمن شهد بالحق؛ فعود الاستثناء إلى الشافعين وأولى؛ حتى يتخصص.
وأيضا فلو عاد الاستثناء إلى المشفوع فيه لوجب أن يكون على غير هذه الصيغة فيقول:
«إلا فيمن شهد بالحق» وإذا قال: «إلا من شهد بالحق» كان ذلك بأن يرجع إلى الشافع أولى؛ لأنه أليق باللفظ، لأنا إذا أردنا أن نستثنى من جماعة لا يشفعون قلنا: هؤلاء