للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٣٠ مجلس آخر [المجلس الثلاثون: ]

تأويل آية [: قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ ... ]

إن سأل سائل عن قوله تعالى حاكيا عن شعيب عليه السلام: قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا؛ [الأعراف: ٨٩].

فقال: أليس هذا تصريحا منه بأنّ الله تعالى يجوز أن يشاء الكفر والقبيح؛ لأن ملّة/ قومه كانت كفرا وضلالا، وقد أخبر أنّه لا يعود فيها إلّا أن يشاء الله؟

الجواب، قيل له فى هذه الآية وجوه:

أولها أن تكون الملّة التى عناها الله إنما هى العبادات الشرعيات؛ التى كان قوم شعيب متمسكين بها؛ وهى منسوخة عنهم، ولم يعن بها ما يرجع إلى الاعتقادات فى الله وصفاته؛ مما لا يجوز أن تختلف (١) العبادة فيه، والشرعيات يجوز فيها اختلاف العبادة؛ من حيث تبعت (٢) المصالح والألطاف والمعلوم من أحوال المكلّفين؛ فكأنّه قال: إنّ ملتكم لا نعود فيها؛ مع علمنا بأنّ الله تعالى قد نسخها وأزال حكمها، إلّا أن يشاء الله أن يتعبّدنا بمثلها فنعود إليها؛ وتلك الأفعال التى كانوا متمسّكين بها؛ مع نسخها عنهم ونهيهم عنها- وإن كانت ضلالا وكفرا- فقد كان يجوز فيما هو مثلها أن يكون إيمانا وهدى؛ بل فيها أنفسها قد كان يجوز ذلك؛ وليس تجرى هذه الأفعال مجرى الجهل بالله تعالى، الّذي لا يجوز أن يكون إلّا قبيحا.

وقد طعن بعضهم على هذا الجواب فقال: كيف يجوز أن يتعبّدهم الله تعالى بتلك الملّة مع قوله: قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها؟


(١) ت: «اختلاف العبادة.
(٢) حاشية ت (من نسخة): «تتبع».