فقال: أى معنى الاختصاص «الأرض» بالذكر وهم لا يفوتون الله تعالى ولا يعجزونه، ولا يخرجون عن قبضته على كل حال، وفى كل مكان؟ ولم نفى الأولياء عنهم، وقد نجد أهل الكفر يتولّى بعضهم بعضا وينصرونهم ويحمونهم من المكاره؟ وكيف نفى استطاعتهم للسمع والإبصار، وأكثرهم قد كان يسمع بأذنه ويرى بعينه؟
الجواب، قلنا: أمّا الوجه فى اختصاص الذكر بالأرض، فلأنّ عادة العرب جارية بقولهم للمتوعّد: لا مهرب لك منى، ولا وزر، ولا نفق، والوزر: الجبل، والنّفق: السّرب، وكلّ ذلك مما يلجأ إليه الخائف المطلوب، فكأنه تعالى نفى أن يكون لهؤلاء الكفار عاصم منه، ومانع من عذابه؛ وأن جبال الأرض وسهولها لا تحجز بينهم وبين ما يريد إيقاعه بهم؛ كما أنها تحجز عن كثير من أفعال البشر؛ لأنّ معاقل الأرض هى التى يهرب إليها البشر من المكاره؛ ويلجئون إلى الاعتصام بها عند المخاوف؛ فإذا نفى تعالى أن يكون لهم فى الأرض معقل فقد نفى المعقل من كل وجه.
فأما قوله تعالى: وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ فمعناه أنه لا ولىّ لهم، ولا ناصر من عذاب الله تعالى وعقابه لهم فى الآخرة؛ ولا مما يريد أيضا إيقاعه بهم فى الدنيا، وإن كان لهم من يحميهم من مكروه البشر وينصرهم ممن أرادهم بسوء؛ وقد يجوز أن يكون ذلك أيضا بمعنى الأمر، وإن كان مخرجه محرج الخبر؛ ويكون التقدير: وليس لهم أن يتخذوا أولياء