للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسألة]

ما القول فى الأخبار الواردة فى عدة كتب من الأصول والفروع بمدح أجناس من الطير والبهائم والمأكولات والأرضين، وذمّ أجناس منها؛ كمدح الحمام والبلبل والقنبر والحجل والدّرّاج وما شاكل ذلك من فصيحات الطير؛ وذمّ الفواخت والرّخم؛ وما يحكى من أنّ كلّ جنس من هذه الأجناس المحمودة ينطق بثناء على الله تعالى وعلى أوليائه، ودعاء لهم، ودعاء على أعدائهم؛ وأن كلّ جنس من هذه الأجناس المذمومة ينطق بضد ذلك من ذم الأولياء عليهم السلام، كذم الجرّىّ (١) وما شاكله من السمك، وما نطق به الجرىّ من أنه مسخ بجحده الولاية، وورود الآثار بتحريمه لذلك؛ وكذم الدّبّ والقرد والفيل وسائر المسوخ المحرّمة؛ وكذم البطّيخة التى كسرها أمير المؤمنين عليه السلام فصادفها مرّة فقال:

«من النار إلى النار»، ورمى بها من يده، ففار من الموضع الّذي سقطت فيه دخان؛ وكذم الأرضين السّبخة، والقول بأنها جحدت الولاية أيضا. وقد جاء فى هذا المعنى ما يطول شرحه؛ وظاهره مناف لما تدل العقول عليه من كون هذه الأجناس مفارقة لقبيل ما يجوز تكليفه، ويسوغ أمره ونهيه.

وفى هذه الأخبار التى أشرنا إليها أن بعض هذه الأجناس يعتقد الحقّ ويدين به، وبعضها يخالفه؛ وهذا كلّه مناف لظاهر ما العقلاء عليه.

ومنها ما يشهد أنّ لهذه الأجناس منطقا مفهوما، وألفاظا تفيد أغراضا، وأنها بمنزلة الأعجمىّ والعربىّ اللذين لا يفهم أحدهما صاحبه، وأنّ شاهد ذلك من قول الله سبحانه فيما حكاه عن سليمان عليه السلام: يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ؛ [النمل: ١٦]. وكلام النملة أيضا مما حكاه سبحانه، وكلام الهدهد واحتجاجه وجوابه وفهمه؛ فلينعم بذكر ما عنده فى ذلك مثابا إن شاء الله.

***


(١) الجرّىّ: ضرب من السماك.