للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسألة]

إن سأل سائل عن قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا، فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ؛ [فاطر: ٣٢].

فقال: أىّ معنى لقوله تعالى: أَوْرَثْنَا؟ وما الكتاب المشار إليه؟ وإذا كان الاصطفاء هو الاختيار والاجتباء- وذلك لا يليق إلا بمن هو معصوم مأمون منه القبيح كالأنبياء والأئمة عليهم السلام- فكيف قال بعد ذلك: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ، وهنا وصف لا يليق بمن ذكرناه؟

الجواب، إن الّذي يجب اعتماده فى تأويل هذه الآية أن قوله تعالى: فَمِنْهُمْ ترجع الكناية فيه إلى العباد؛ لا إلى الذين اصطفوا؛ وهو أقرب إليه فى الذكر، فكأنه تعالى قال: ومن عبادنا ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات.

فإن قيل: فأىّ فائدة فى وصف العباد بهذه القسمة؟ وكيف عدل عن وصف الذين اصطفاهم، وورّثهم الكتاب؟

قلنا: الوجه فى ذلك ظاهر؛ لأنّه تعالى لما علّق توريث الكتاب بمن اصطفاهم من عباده أراد أن يبيّن وجه الاختصاص؛ وإنما علّق وراثة الكتاب ببعض العباد دون بعض؛ لأنّ فى العباد من هو ظالم لنفسه، ومن هو مقتصد، ومن هو سابق بالخيرات؛ فوجه المطابقة بين الكلام واضح.

ونحن الآن متبعون ما قيل فى تأويل هذه الآية؛ وموضّحون عمّا فيه من صحة أو اختلال.

ذكر أبو عليّ الجبّائى ومن تابعه أنّ المراد بالذين اصطفوا الأنبياء عليهم السلام، والظالم لنفسه من ارتكب الصغيرة منهم؛ وإنما وصف بذلك من حيث فوّت نفسه الثواب الّذي زال عنه بفعل الصغيرة؛ ويؤدّى سائر الواجبات. والسابق إلى الخير هو الّذي استكثر من فعل النوافل؛ وهذا التأويل يفسد من جهة أنّ الدليل قد دلّ على أنّ الأنبياء