عليهم السلام لا يقع منهم شيء من المعاصى والقبائح. وقد أشبعنا الكلام فى ذلك فى كتابنا المعروف «بتنزيه الأنبياء والأئمة» عليهم السلام.
ولو عدلنا عن ذلك لم يجز ما قاله؛ لأنّ قولنا: فلان ظالم لنفسه من أوصاف الذمّ، والذمّ لا يستحقّه فاعل الصغيرة؛ فكيف تجرى عليه أوصاف الذم؟ ولا شبهة فى أن قولنا:
فلان ظالم لنفسه من أوصاف الذم؛ لأنهم يقولون فى كلّ من فعل قبيحا: إنه قد ظلم، من حيث فعل ما يستحقّ به العقاب؛ وكأنه أدخل على نفسه ضررا ما كان يستحقّه، فأشبه بذلك الظالم لغيره.
ولا يجوز أن يوصف فاعل الصغيرة بأنّه ظالم لنفسه من حيث فوّت نفسه الثواب؛ لأنّه إن عنى بذلك الثواب الّذي يبطل بعقاب الصغيرة، فعند أبى عليّ أن الصغيرة ينحبط عقابها بالثواب الكثير؛ من غير أن ينقص من الثواب شيء؛ لأنه لا يذهب إلى الموازنة التى يذهب إليها أبو هاشم، فما فوّتت الصغيرة عنده ثوابا كان مستحقّا له، وإن عنى بتفويت الثواب أنّه لو لم يفعل هذه المعصية لكان يستحقّ على الامتناع منها ثوابا فإنه يفعلها. فهذا يوجب أن يكون الأنبياء عليهم السلام فى كل حال مفوّتين لأنفسهم الثواب بفعل المباحات؛ لأنهم لو فعلوا الطاعات بدلا منها لاستحقّوا الثواب، ولوجب أن يوصفوا على الفائتة بأنهم ظالمون لأنفسهم.
على أنّ وضع الكلام وترتيبه يقتضيان أنّ الظالم لنفسه فى الآية فى موضع ذمّ، لأنه تعالى جعله بإزاء المقتصد، وليس بإزاء المقتصد إلا المسرف المذموم.
فإن قيل: فقد قلتم فى تأويل حكايته تعالى عن آدم وحوّاء عليهما السلام قولهما رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا، [الأعراف: ٢٣]: إنما أراد أنّا نقصناها الثواب الّذي كنا نستحقّه لو فعلنا ما ندبنا إليه من الامتناع من تناول الشجرة.
قلنا: إنما قلنا ذلك هناك، وعدلنا عن الظاهر فى هذه اللفظة لقيام الدليل أن النبىّ عليه السلام لا يواقع المحظور، كبيرا ولا صغيرا من الذنوب. وليس فى الآية التى نحن فى الكلام عليها ضرورة توجب العدول عن الظاهر، بل قد بينا أن ترتيب الكلام ومقابلته