لا يوصفون على الإطلاق بأن الله تعالى اصطفاهم. فهذا الوصف يقتضي أن تكون الجماعة أخيارا. وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ بخلاف هذا؛ لأنّ وصفهم بأنهم آمنوا فى الماضى لا يمنع من الردّة فى المستقبل؛ وقوله تعالى: الَّذِينَ اصْطَفَيْنا يمنع أن يكون فيهم من ليست هذه صفته.
وأما حمل ذلك على من ظلم ثم تاب فهو غير صحيح؛ لأنّ من تاب لا يوصف بعد التوبة بأنه ظالم لنفسه؛ لأن التوبة تمنع من إجراء ألفاظ الذم.
ووجدت بعضهم يتأوّل هذه الآية على أن المراد ب ظالِمٌ لِنَفْسِهِ من جهد نفسه فى العبادة وحمل عليها؛ وقال: هذا يليق بأوصاف الأنبياء عليهم السلام، ولا تمنع النبوّة منه.
وهذا أيضا غير صحيح؛ لأنا قد بينا أن لفظة ظالِمٌ لِنَفْسِهِ يذمّ بها فى التعارف، فكيف تجرى على المدح! ومن هذا الّذي يسمى من جهد نفسه فى العبادة بأنّه ظالم نفسه بالإطلاق!
على أن السابق إلى الخيرات هو المجتهد فى العبادة، الحامل على نفسه فيها، فأىّ معنى للتكرار؟ وهذا تأويل يفسد
القسمة، وهذه الجملة توضّح أن التأويل الصحيح ما قدمناه.
فأما قوله تعالى الْكِتابَ فالظاهر أنه كناية عن القرآن المنزّل على رسول الله صلى الله عليه وآله؛ فقد صارت هذه اللفظة بالإطلاق عبارة عنه؛ ولهذا إذا أطلق القائل فقال:
هذا ينطق به الكتاب، ومحرّم فى الكتاب، وورد فى الكتاب لم يفهم منه إلا ما ذكرناه.
ومعنى أَوْرَثْنَا يعنى علمه وفوائده وأحكامه؛ وليس يليق ذلك بالأنبياء المتقدمين؛ فإنه لا حظّ لهم فى علم هذا الكتاب؛ وإنما يختص بهذه الفائدة نبيّنا عليه السلام والأئمة من ولده عليهم السلام؛ لأنهم المتعبّدون بحفظه وبيانه، والعمل بأحكامه.