وثانيها أن المزية المدّعاة لنبينا عليه السلام فى الشفاعة إنما هى على الأنبياء المتقدمين دون الملائكة؛ لأنّه لا خلاف فى أن للملائكة شفاعة، وقد نطق القرآن بذلك فقال:
لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ؛ [الأنبياء: ٢٨]. وإذا كان الأمر على ما ذكرناه فالاستثناء يعود إلى الملائكة عليهم السلام؛ لأنهم من جملة المعبودين، فلا يمنع نفى الشفاعة عن الكل أن يستثنوا لأن لهم شفاعة.
وثالثها أنّ الشفاعة قد تكون إلى الله تعالى وإلى غيره؛ فإن ثبت ما ادّعى من تفرّد نبينا عليه السلام بالشفاعة عند الله تعالى فى مذنبى أمته، جاز أن نثبت الشفاعة لغيره عند غير الله تعالى؛ فكأنه قال: أنتم تعبدون من لا يشفع
فيكم فى الدنيا ولا ينصركم؛ واستثنى من يجوز عليه أن يشفع فى الدنيا.
ورابعها أن يكون المراد بالشفاعة هاهنا النّصرة والمعونة والمنفعة؛ لأن الشفاعة فيمن تتناوله نفع يوصل إليه؛ وإرادة الشفاعة فى الأمة معنى الشفاعة، وهو المنفعة والنّصرة؛ وتقدير الكلام: إنكم تعبدون من لا ينفعكم ولا يضرّكم ولا يعينكم؛ ولما كان فى جملة هؤلاء المعبودين من يصح أن يضرّ وينفع استثنى؛ ليبين أنّ حكمهم مفارق لحكم غيرهم؛ وهذا بيّن لمن تأمله.