قد تكون بمعنى «ما» فى بعض المواضع؛ إلا أنه لا يليق بهذا الموضع أن تكون إِنْ بمعنى «ما»؛ لأنه لا يجوز أن يقول تعالى: ما أنت فى شك مما أنزلنا إليك؛ فاسأل الذين يقرءون الكتاب؛ لأن العالم لا حاجة به إلى المسألة؛ وإنما يحتاج أن يسأل الشاكّ.
غير أنه يمكن نصرة هذا الجواب بأنه تعالى لو أمره بسؤال أهل الكتاب من غير أن ينفى شكّه لأوهم أمره بالسؤال أنه شاكّ فى صدقه، وصحة ما أنزل عليه، فقدّم كلاما يقتضي نفى الشك عنه فيما أنزل عليه، ليعلم أنّ أمره بالسؤال ليزول الشكّ عن غيره، لا عنه.
فأما الذين أمر بمسألتهم فقد قيل إنهم المؤمنون من أهل الكتاب، الراجعون إلى الحق؛ ككعب الأحبار، ومن جرى مجراه ممن أسلم بعد اليهودية، لأن هؤلاء لا يصدقون عمّا شاهدوه فى كتبهم من صفات النبي عليه السلام والبشارة به؛ وإن كان غيرهم ممن أقام على الكفر والباطل لا يصدق عن ذلك.
وقال قوم آخرون: إنّ المراد بالذين يقرءون الكتاب جماعة اليهود، ممن آمن وممن لم يؤمن؛ فإنهم يصدقون عما وجدوه فى كتبهم من البشارة بنبىّ موصوف، يدّعون أنه غيرك، وأنك إذا قابلت بتلك الصفات صفاتك علمت أنت وكلّ من أنصف أن المبشّر بنبوته هو أنت.
وقال آخرون: ما أمره أن يسألهم عن البشارة به؛ لأنهم لا يصدقون عن ذلك؛ بل أمره عليه السلام أن يسألهم عما تقدم ذكره على هذه الآية بغير فصل من قوله تعالى: وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ؛ [يونس: ٩٣] ثم قال تعالى:
فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ؛ [يونس: ٩٤]، أى فى شك مما تضمنته هذه الآية من النعمة على بنى إسرائيل؛ فما كانت اليهود تجحد ذلك، بل تقرّ به، وتفخر بمكانه.
وهذا الوجه يروى عن الحسن البصرىّ. وكلّ ذلك واضح لمن تأمله.