للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العهد من أهل الكفر مؤذن بالمحاربة؛ والمؤذن بها مستحقّ للقتل.

فأما قوله: «بل [الشاهد يرى ما لا يرى الغائب] (١)» فإنما عنى به رؤية العلم لا رؤية البصر لأنه لا معنى فى هذا الموضع لرؤية البصر، فكأنه عليه وآله السلام قال: بل الشاهد يعلم؛ ويصحّ له من وجه الرأى والتدبير ما لا يصحّ للغائب؛ ولو لم يقل ذلك لوجب قتل الرجل على كل حال، وإنما جاز منه عليه الصلاة والسلام أن يخيّر بين قتله والكفّ عنه، ويفوض الأمر فى ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام من حيث لم يكن قتله من الحدود والحقوق، التى لا يجوز العفو عنها، ولا يسع إلا إقامتها، لأن ناقض العهد ممّن إلى الإمام القائم بأمر (٢) المسلمين إذا قدر عليه قبل التوبة أن يقتله، أو أن يمنّ عليه.

ومما فيه أيضا من الأحكام اقتضاؤه أن مجرد أمر الرسول صلى الله عليه وآله لا يقتضي الوجوب، لأنه لو اقتضى ذلك لما حسنت مراجعته ولا استفهامه؛ وفى حسنها ووقوعها موقعها دلالة (٣) على أنها لا تقتضى ذلك.

ومما فيه أيضا من الأحكام دلالته على أنه لا بأس بالنظر إلى عورة الرجل عند الأمر ينزل فلا يوجد من النظر إليها بدّ إمّا لحدّ يقام، أو لعقوبة تسقط، لأن العلم بأنه أمسح أجبّ لم يكن إلا عن تأمّل ونظر، وإنما جاز التأمل والنظر لتبيين: هل هو ممّن يكون منه ما قرف به أولا، والواجب على الإمام فيمن شهد عليه بالزنا، وادّعى أنه مجبوب أن يأمر بالنظر إليه، وتبيين أمره، وبمثله أمر النبي صلى الله عليه وآله فى قتل مقاتلة بنى قريظة، لأنه أمر أن ينظروا إلى مؤتزر، وكلّ من أشكل عليهم أمره، فمن وجدوه قد أنبت قتلوه، ولولا جواز النظر إلى العورة عند الضرورة لما قامت شهادة الزنا؛ لأن من رأى رجلا مع امرأة واقعا عليها متى لم يتأمل أمرهما حقّ التأمل لم تصحّ

شهادته، ولهذا قال النبي


(١) حاشية ت (من نسخة): «بل لا يرى الشاهد ما يرى الغائب».
(٢) حاشية ت (من نسخة): «بأمور».
(٣) ط: «وفى حسنها ووقعها دلالة .. »، م: «وفى حسنها ووقعها موقعها».