للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجواب الثانى: مَنْ كانَ فِي هذِهِ يعنى الدنيا أَعْمى عن الإيمان بالله والمعرفة بما أوجب عليه المعرفة به؛ فهو فى الآخرة أعمى عن الجنة والثواب؛ بمعنى أنه لا يهتدى إلى طريقيهما (١)، ولا يوصل إليهما، أو عن الحجة (٢) إذا سوئل (٣) وووقف، ومعلوم أن من ضلّ عن معرفة الله تعالى والإيمان به يكون فى القيامة منقطع الحجة، مفقود المعاذير.

والجواب الثالث: أن يكون العمى الأول عن المعرفة والإيمان، والثانى بمعنى المبالغة فى الإخبار عن عظم ما يناله (٤) هؤلاء الكفار الجهال من الخوف والغم والحزن الّذي أزاله الله عن المؤمنين العارفين بقوله: لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ؛ [يونس: ٦٢]، ومن عادة العرب أن تسمّى من اشتد همّه وقوى حزنه أعمى سخين العين، ويصفون المسرور بأنّه قرير (٥) العين، قال الله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ؛ [السجدة: ١٧].

والجواب الرابع: أن العمى الأول يكون (٦) عن الإيمان، والثانى هو الآفة فى العين على سبيل العقوبة؛ كما قال الله تعالى: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى. قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً. قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى؛ [طه: ١٢٤ - ١٢٦]. ومن يجيب بهذا الجواب يتأول قوله تعالى: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ على أن المعنى/ فيه الإخبار عن الاقتدار وعدم المشقّة فى الإعادة؛ كما أنها معدومة فى الابتداء، ويجعل ذلك نظيرا لقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ (٧)؛ [الروم: ٢٧]، ويتأول قوله تعالى فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ على أن معناه الإخبار عن قوة المعرفة، وأن الجاهل بالله فى الدنيا يكون عارفا به فى الآخرة؛ والعرب


(١) ت، ف: «طريقهما».
(٢) ت، ف: «يفقد الحجة». حاشية الأصل من نسخة:
«لفقد الحجة».
(٣) ت، حاشية ف (من نسخة): «سئل ووقف».
(٤) فى نسخة بحاشيتى ت، ف: «ما ينال».
(٥) ت، د، ف: «أنه».
(٦) ساقطة من ف.
(٧) حاشية ف: «أهون هاهنا بمعنى الهين، وإن حمل على المبالغة فهو على مجاز كلام العرب».