للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقال: إنه قيل لأبى عبيدة: ليس هذه الأبيات فى مجموع شعر الخنساء، فقال أبو عبيدة: العامّة أسقط من أن يجاد عليها بمثل ذلك.

ولعمرى إنها قد بلغت فى مدح أخيها من غير إزراء على أبيها/ النهاية، لأنها جعلت تقدّم أبيه له عن قدرة منه على المساواة، وعن غير تقصير منه، وإنما (١) أفرج له عن السبق معرفة بحقه، وتسليما لكبره وسنه، وكأنّ الخنساء نظرت فى هذا المعنى إلى قول زهير يصف حمار وحش (٢):

فشجّ بها الأماعز فهى تهوى ... هوىّ (٣) الدّلو أسلمها الرّشاء (٤)

فليس لحاقه كلحاق إلف ... ولا كنجائها منه نجاء (٥)

يقدّمه إذا احتفلت عليها ... تمام السّنّ منه والذّكاء (٦)

ويشبه أن يكون الكميت أخذ من الخنساء قوله فى مخلد بن يزيد بن المهلّب:

ما إن أرى كأبيك أدرك شأوه ... أحد ومثلك طالبا لم يلحق

تتجاذبان؛ له فضيلة سنّه ... وتلوت بعد مصلّيا لم تسبق (٧)


(١) ت: «وإنه».
(٢) الأبيات فى ديوانه: ٦٧ - ٦٩.
(٣) ضبطت فى ت بضم الهاء وفتحها معا.
(٤) حواشى الأصل، ت، ف: «أى شج الحمار بالأتن الأماعز، أى علا الأماعز بهن، والأمعز: الأرض الصلبة، وكذلك المعزاء، والهوىّ: السقوط إلى أسفل، وكذلك الهوىّ فى السير.
وبعد هوى من الليل؛ أى هزيع؛ وقيل: الهوى [بالضم] الارتفاع».
(٥) فى حاشيتى الأصل، ف: «يقول: ليس يلحق شيء فى السرعة كما يلحق الحمار فى سرعته، والمراد بالإلف صاحبه. ولا كنجائها؛ أى ليس شيء ينجو كنجائها، أى ليس شيء ينجو كنجاء الأتان؛ أى لا يهرب هارب كهربها، ولا يلحق لاحق كلحوقه».
(٦) احتفلت: اجتهدت وتأهبت؛ ورواية الديوان:
يفضّله إذا اجتهدت عليه ... تمام السّنّ منه والذّكاء.
(٧) د، ش، ونسخة بحواشى الأصل، ت، ف: «تتجاريان»؛ وفى حاشيتى الأصل، ف:
«قوله تتجاذبان، فى موضع الحال من قوله: «ما إن أرى كأبيك»، ومثلك، أى ما رأيت مثلك ومثل أبيك فى حال مجاذبتهما ومجاراتهما فى المجد والشرف. وقوله: «له فضيلة سنه» جملة مستأنفة من مبتدأ وخبر؛ المعنى يقول: إن سبقك أبوك فلا غرو، فإنه لم يسبق قط، وإن سبقته فأنت جدير بالسبق».