للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

/ حتّى إذا لم يتركوا لعظامه ... لحما ولا لفؤاده معقولا

وأنشد أبو العباس ثعلب:

قد والّذي سمك السّماء بقدرة ... بلغ العزاء وأدرك المجلود

وقال الفرّاء وغيره: يجوز فى النحو: «بدم كذبا» بالنصب على المصدر؛ لأنّ جاؤُ فيه معنى كذبوا كذبا، كما قال تعالى: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً [العاديات: ١] فنصب ضبحا (١) على المصدر؛ لأن العاديات بمعنى الضابحات، وإنما كان دما مكذوبا فيه؛ لأن إخوة يوسف [ذبحوا سخلة، ولطخوا قميص يوسف بدمها، وجاءوا أباهم بالقميص، وادّعوا أكل الذئب له، فقال لهم يعقوب] (٢): يا بنيّ، لقد كان هذا الذئب رفيقا حين أكل ابنى، ولم يخرّق قميصه؛ قالوا: بل قتله اللصوص، قال: فكيف قتلوه وتركوا قميصه، وهم إلى قميصه أحوج منهم إلى قتله! . وقد قيل: إنه كان فى قميص يوسف ثلاث آيات: حين قد قميصه من دبر، وحين ألقى على وجه أبيه فارتد بصيرا، وحين جاءوا عليه بدم كذب؛ فتنبه أبوه على أنّ الذئب لو أكله لخرّق قميصه (٣).

وو أما وصف الصبر بأنه جميل، فلأن الصبر قد يكون جميلا وغير جميل، وإنما يكون جميلا إذا قصد به وجه الله، وفعل للوجه الّذي وجب، فلما كان فى هذا الموضع واقعا على الوجه المحمود صحّ وصفه بذلك. وقد قيل إنه أراد صبرا لا شكوى فيه ولا جزع، ولو لم يصفه بذلك لظنّ مصاحبة الشكوى أو الجزع له. وأما ارتفاع قوله: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ فقد قيل إن المعنى: فشأنى صبر جميل، أو الّذي أعتقده صبر جميل (٤). وقال قطرب: معناه فصبرى صبر جميل؛ وأنشدوا:


(١) الضبح: صوت يسمع من جوف الفرس حال العدو.
(٢) ت: «يوسف عليه السلام».
(٣) فى حاشيتى ت، ف: «قال السيد المرتضى رضى الله عنه: وقد قرئ: بِدَمٍ كَذِبٍ وهو الدم المسفوح».
(٤) فى حاشيتى ت، ف: «يجوز أن يكون «صبر» مبتدأ وخبره محذوف، ويحتمل أن يكون «صبر» مبتدأ و «جميل» خبره»، وفى حاشية ف أيضا: «وهو وإن كان نكرة يقوم مقام المعرفة؛ وذلك أن أى صبر كان فهو المراد».