للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أردت لنفسى بعض الأمور ... فأولى لنفسى أولى لها! (١)

والجواب الثالث- وهو أغربها- أننى لا أعبد الأصنام التى تعبدونها، ولا أنتم عابدون ما أعبد؛ أى: أنتم غير عابدين الله الّذي أنا عابده إذ أشركتم به، واتخذتم الأصنام وغيرها معبودة من دونه أو معه، وإنما يكون يكون عابدا له من أخلص له العبادة دون غيره، وأفرده بها؛ وقوله: وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ؛ أى لست أعبد عبادتكم، وما فى قوله: ما عَبَدْتُّمْ فى موضع المصدر كما قال تعالى: وَالْأَرْضِ وَما طَحاها: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها؛ [الشمس: ٦، ٧]، أراد: وطحيه إياها وتسويته لها، وقوله تعالى: ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ؛ [غافر: ٧٥]، يريد: بفرحكم ومرحكم؛ قال الشاعر:

يا ربع سلّامة بالمنحنى ... بخيف سلع جادك الوابل (٢)

إن تمس وحشا فبما قد ترى ... وأنت معمور بها آهل (٣)

أراد فبرؤيتك معمورا آهلا، ومعنى قوله: وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ، أى لستم عابدين عبادتى على نحو ما ذكرناه، فلم يتكرر الكلام إلا لاختلاف المعانى.

وتلخيص ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله قال للكفار لا أعبد آلهتكم، ومن تدعونه من دون الله، ولا أنتم عابدون إلهى، فإن زعمتم أنكم عابدون إلهى فأنتم كاذبون، إذ كنتم من غير الجهة التى أمركم بها تعبدونه، فأنا لا أعبد مثل عبادتكم، ولا أنتم ما دمتم على ما أنتم عليه تعبدون مثل عبادتى.


(١) حواشى الأصل، ت، ف: «أولى لك: كلمة تحذير، قال الأصمعىّ: معناه قاربك ما تكره، والولى: القرب، وقد وليه يليه. وقال ثعلب: أصح ما ذكر فى «أولى» قول الأصمعىّ، وقد قيل فيه غير ذلك، وكان محمد بن الحنفية عليه السلام إذا مات جار له يقول: أولى لى! كدت أكون السواد المخترم».
(٢) المنحنى: حيث ينحنى السيل؛ أى يميل. والخيف: ما انحدر عن الجبل وارتفع عن المسيل، وبه سمى خيف متى. وسلع: يطلق على جملة مواضع فى ديار باهلة وأسد.
(٣) وحشا: خاليا، وبما ترى؛ أى بما كنت قد ترى، وآهل: ذو أهل؛ وفى حاشية ف:
«وأنت معمور بها، يجوز أن يتعلق «بها» بمعمور وبآهل جميعا». وفى د، م: «به آهل».