للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى أبو بكر الهذلىّ أنّ رجلا قال للحسن: يا أبا سعيد، إن الشيعة تزعم أنّك تبغض عليّا عليه السلام، فأكبّ يبكى طويلا، ثم رفع رأسه فقال: لقد فارقكم بالأمس رجل كان سهما من مرامى ربّنا عز وجل على عدوّه، ربّانىّ هذه الأمة، ذو شرفها وفضلها، وذو قرابة من النبي صلى الله عليه وآله قريبة، لم يكن بالنومة عن أمر الله، ولا بالغافل عن حق الله، ولا بالسّروقة من مال الله، أعطى القرآن عزائمه فيما له وعليه، فأشرف منها على رياض مونقة، وأعلام بينة، ذلك ابن أبى طالب يا لكع! وكان الحسن إذا أراد أن يحدّث فى زمن بنى أمية عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال أبو زينب.

وشهد الحسن جنازة فقال: إنّ أمرا هذا [آخره لينبغى أن يزهد فيه، وإن أمرا هذا أوّله لينبغى أن يحذر منه] (١). وعن حميد الطويل قال: خطب رجل إلى الحسن ابنته، وكنت السّفير بينهما- فرضيه، وأراد أن يزوجه فأثنيت عليه ذات يوم وقلت: وأزيدك يا أبا سعيد، إنّ له خمسين ألفا، قال: أقلت له خمسون ألفا! ما اجتمعت من حلال- قلت: يا أبا سعيد، إنه والله ما علمت لورع مسلم، فقال: إن كان جمعها من حلال، لقد ضنّ بها عن حقّ! لا يجرى بينى وبينه صهر أبدا.

وقيل لعلىّ بن الحسين عليهما السلام: قال الحسن البصرىّ ليس العجب ممّن هلك كيف هلك، وإنما العجب ممن نجا كيف نجا! فقال عليه السلام: أنا أقول: ليس العجب ممّن نجا كيف نجا؛ إنما العجب ممن هلك كيف هلك مع سعة رحمة الله!

وأتى عليه السلام يوما الحسن البصرى وهو يقصّ عند الحجر فقال: أترضى يا حسن نفسك للموت؟ قال: لا، قال: فعملك للحساب؟ قال: لا؛ قال: فثمّ دار للعمل غير هذه الدار؟ قال: لا، قال: فلله فى أرضه معاذ غير هذا البيت؟ قال: لا، قال: فلم تشغل الناس عن التّطواف (٢).


(١) م: «إن امرأ هذا أوله لينبغى أن يحذر منه، وإن امرأ هذا آخره لينبغي أن يزهد فيه».
(٢) كذا فى الأصل، ت، ج، ش، ف، وفى نسخة بحاشيتى ت، ف: «الطواف».
وكانت وفاة الحسن البصرى سنة ١١٠؛ (وانظر ترجمته فى ابن خلكان ١: ١٢٨ - ١٢٩).