للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نفسه خيفة، وارتاب بكتابه، ولقيه غلام من أهل الحيرة، فقال له: أتقرأ يا غلام؟ قال:

نعم، ففضّ خاتم كتابه، ودفعه إلى الغلام فقرأه، فإذا فيه: «إذا أتاك المتلمّس فاقطع يديه ورجليه، واصلبه حيا».

فأقبل على طرفة فقال له: تعلّمن (١) والله لقد كتب فيك بمثل هذا، فادفع كتابك إلى الغلام يقرؤه عليك، فقال: كلّا، ما كان ليجسر على قومى بمثل هذا، ولم يلتفت إلى قول المتلمّس، فألقى المتلمّس كتابه فى نهر الحيرة، وقال:

قذفت بها بالثّنى من جنب كافر ... كذلك أقنو كلّ قطّ مضلّل (٢)

رضيت لها بالماء لمّا رأيتها ... يجول بها التيار فى كلّ جدول

كافر: نهر بالحيرة، وأقنو: اقتنى، والقطّ: الكتاب: والتيّار: معظم الماء وكثرته.

وقال المتلمّس أيضا:

من مبلغ الشّعراء عن أخويهم ... نبأ فتصدقهم بذاك الأنفس (٣)

أودى الّذي علق الصّحيفة منهما ... ونجا حذار حبائه المتلمّس

ألقى صحيفته ونجّت كوره ... وجناء مجمرة المناسم عرمس (٤)

عيرانة طبخ الهواجر لحمها ... فكأنّ نقبتها أديم أملس (٥)

أطريفة بن العبد إنّك حائن ... أبساحة الملك الهمام تمرّس!

ألق الصّحيفة لا أبا لك إنّه ... يخشى عليك من الحباء النّقرس


(١) من نسخة بحواشى الأصل، ت، ف: «تعلم».
(٢) ديوانه: ١٧٦.
(٣) الأبيات فى ديوانه ١٩١ - ١٩٢، والخزانة ٣: ٧٣ والأغانى ٢١: ١٢٧ وأخواهم: طرفة والملمس.
(٤) الوجناء: الناقة الصلبة؛ مشتقة من الوجين؛ وهى الأرض الصلبة، ومجمرة: مجتمعة، والمناسم: جمع منسم، ومنسما خف البعير كالظفرين فى مقدمه؛ بهما يستبان أثر البعير الضال. والعرمس فى الأصل: الصخرة؛ شبهت بها الناقة؛ ورواية الديوان:
ألقى صحيفته ونجّت كوره ... عنس مداخلة الفقارة عرمس.
(٥) العيرانة: الناقة الصلبة التى تشبه عير الوحش لقوتها، والنقبة هاهنا: اللون.