للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإياكم أن تكونوا بالأحداث مغترين، ولها آمنين، ومنها ساخرين، فإنه ما سخر قوم قطّ إلّا ابتلوا، ولكن توقّعوها، فإنما الإنسان فى الدنيا غرض تعاوره الرّماة، فمقصّر دونه ومجاوز لموضعه، وواقع عن يمينه وشماله؛ ثم لا بدّ أنّه مصيبه».

قوله: «حرسا من دهرى»، يريد طويلا منه، والحرس من الدّهر: الطويل، قال الراجز:

* فى سنبة عشنا بذاك حرسا*

السّنبة: المدة من الدهر. والتواكل: أن يكل القوم أمرهم إلى غيرهم، من قولهم:

رجل وكل، إذا كان لا يكفى نفسه، ويكل أمره إلى غيره؛ ويقال: رجل وكلة تكلة.

والغرض: كلّ ما نصبته للرمى. وتعاوره، أى تداوله.

قال سيدنا الشريف أدام الله علوّه: وقد ضمّن ابن الرومىّ (١) معنى قول زهير بن جناب:

«الإنسان فى الدهر غرض تعاوره الرماة، فمقصّر دونه ومجاوز له، وواقع عن يمينه وشماله، ولا بدّ أن يصيبه» أبياتا، فأحسن كلّ الإحسان؛ والأبيات:

كفى بسراج الشّيب فى الرّأس هاديا ... لمن قد أضلّته (٢) المنايا لياليا

أمن بعد إبداء المشيب مقاتلى ... لرامى المنايا تحسبينى ناجيا

غدا الدّهر يرمينى فتدنو سهامه ... لشخصى (٣) أخلق أن يصبن سواديا

وكان كرامى اللّيل يرمى ولا يرى ... فلمّا أضاء الشّيب شخصى رمانيا

أما البيت الأخير، فإنه أبدع فيه وغرّب (٤)، وما علمت أنّه سبق إلى معناه؛ لأنّه جعل الشباب كالليل الساتر على الإنسان، الحاجز بينه وبين من أراد رميه لظلمته


(١) حاشية الأصل: «كان ابن الرومى متشيعا، وكان مغلقا فى الشعر واللغة؛ بحيث يقول لتلامذته:
اعرضوا شعرى، ثعلب، فما أنكر من نحوه فخذوه، وما أنكر من لغته فلا تلفتوا إليه؛ فإنى أعلم منه باللغة».
(٢) ش: «إلى من أضلته». حاشية ت (من نسخة): «له من أضلته».
(٣) ت، ونسخة بحاشية الأصل: «لشخصى وأخلق».
(٤) ت: «وأغرب».