ورجاحة العقل ما هيّأ لهم أن يكونوا كتّابا أو شعراء؛ وما دفع بعضهم للمشاركة في العلوم، والأخذ بنصيب من أطراف الفنون؛ فحدبوا على العلماء، وأغدقوا على الشعراء؛ وعرفوا للأدباء أقدارهم؛ فولّوهم الوزارة والإمارة والقضاء فى كثير من الأحايين.
وكانوا أيضا من شيعة عليّ، وعلى هوى أحفاده من أبناء الحسن والحسين، فخصّوهم بالتكرمة، ومنحوهم أرفع المناصب، وأدنوهم من نفوسهم، وقرّبوهم فى مجالسهم، وظاهروهم فى المناظرة، ودفعوهم إلى الجهر بالرأى والإدلاء بالحجة؛ وكانوا لهم ردءا حين يحتدم الجدل، ويشتد اللّداد بينهم وبين أهل السّنة؛ ومن يشدّ أزرهم من الأتراك وخلفاء بنى العباس.
فى هذه الحقبة النادرة فى تاريخ العلوم، وفى هذا العصر الحالى بأزاهير الفنون والآداب، وفى تلك الدولة التى قام فى أكنافها العلماء والشعراء والأدباء؛ عاش الشريف المرتضى عليّ ابن الحسين، وأخوه الشريف الرّضىّ محمد بن الحسين، واتخذا مكانهما بين ذوى المثالة، وأعيان الشرف والفضل من الأعلام؛ فكان المرتضى عالما فقيها متكلّما، خبيرا بقرض الشعر، بصيرا بمذاهب الكلام، وكان الرّضىّ شاعرا مطبوعا متصرّفا، وكاتبا بارعا رائق الديباجة صافى الأسلوب، مشاركا فى التأليف والتصنيف؛ وقضيا حياتهما مرعيّى الجانب؛ رفيعى المنزلة؛ مرموقى المحلّ عظيمى الخطر والجاه عند خلفاء بنى العباس، والملوك من بنى بويه على السواء.
*** وكانا ينزعان إلى أعرق المناصب، وأطيب النّجار، نجلهما أبو أحمد الحسين بن موسى ابن محمد بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب؛ وأنجبتهما فاطمة بنت الحسين بن الحسن
الناصر الأطروش، صاحب الديلم، وشيخ الطالبيّين وعالمهم وشاعرهم.