للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى محمد بن سلّام الجمحىّ قال: أنشد (١) كثيّر عبد الملك بن مروان شعرا:

على ابن أبى العاصى دلاص حصينة ... أجاد المسدّى نسجها فأذالها (٢)

فقال له: هلّا قلت كما قال الأعشى:

وإذا تكون كتيبة ملمومة ... شهباء يخشى الذّائدون نهالها (٣)

كنت المقدّم غير لابس جنّة ... بالسّيف تضرب معلما أبطالها (٤)

فقال له: إنّه وصفه بالخرق ووصفتك بالحزم (٥).

ويشبه ذلك ما روى (٦) عن أبى عمرو بن العلاء أنه لقى ذا الرّمة، فقال له: أنشدنى قصيدتك:

* ما بال عينك منها الماء ينسكب (٧) *


(١) طبقات الشعراء ٤٥٨ - ٤٥٩؛ ورواه المرزبانىّ فى الموشح: ١٤٥؛ مع اختلاف فى الرواية.
(٢) ابن أبى العاصى هو عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبى العاصى بن أمية، ودلاص: وصف للدرع اللينة. والحصينة: المحكمة المتدانية
الحلق؛ يكون صاحبها فى حصن مما يصيبه. وسدى الدرع:
نسجها. ويقال أذال الدرع؛ إذا أطال ذيلها وأطرافها.
(٣) ديوانه: ٢٧. الكتيبة: القطعة العظيمة من الجيش، وكتيبة ملمومة: مجتمعة مضموم بعضها إلى بعض: وشهباء: بيضاء صافية الحديد. والذائد: الّذي يحمى الحرم ويذود عنها، والنهال: العطاش.
(٤) المقدم: شديد الإقدام على العدو. والجنة هنا: الدرع تستر لابسها. والمعلم: من يعلم مكانه فى الحرب بعلامة أعلم بها نفسه.
(٥) رواية المرزباني: «فقال: يا أمير المؤمنين؛ وصف الأعشى صاحبه بالطيش والخرق والتغرير؛ ووصفتك بالحزم والعزم، فأرضاه»؛ وقد فاضل المرزباني بين هذين الشعرين فقال: «رأيت أهل العلم بالشعر يفضلون قول الأعشى فى هذا المعنى على قول كثير؛ لأن المبالغة أحسن عندهم من الاقتصار على الأمر الأوسط؛ والأعشى بالغ فى وصف الشجاعة حتى جعل الشجاع شديد الإقدام بغير جنة؛ على أنه وإن كان لبس الجنة أولى بالحزم وأحق بالصواب؛ ففى وصف الأعشى دليل قوى على شدة شجاعة صاحبه».
(٦) الخبر فى الموشح ١٧٤ - ١٧٥، والشعر والشعراء ٥١٧ - ٥١٨، والأغانى ١٦: ١١٨؛ واللآلئ: ٨٩٨؛ مع اختلاف فى الرواية والشعر.
(٧) بقيته:
* كأنّه من كلى مفريّة سرب*
والكلى: جمع كلية؛ وهى رقعة تكون فى أصل عروة المزادة ومفرية: مقطوعة. وسرب:
سائل؛ والقصيدة فى ديوانه ١ - ٣٥.